قصة مذبحة دلجا.. حين تحوّل الخبز إلى سمّ والمأوى إلى مقبرة في المنيا

بيت بسيط بقرية دلجا التابعة لمركز ديرمواس، جنوب محافظة المنيا، كانت رائحة الخبز الساخن تعبق أرجاء المنزل مع ضحكات 6 أطفال يتسابقون إلى المائدة، لحظات دافئة لم تدم طويلًا، إذ تحوّل ذلك الصباح إلى كابوسٍ مفزع حين بدأ الصغار يتساقطون واحدًا تلو الآخر، تتلوهم دموع أمٍ لم تكن تبكي فراقهم بقدر ما تبكي فعلتها التي صنعت الموت بيديها، تلك المأساة التي هزّت قلوب المصريين باتت تُعرف بـ «مذبحة دلجا»، وخلال الساعات القليلة الماضية في قاعة محكمة جنايات المنيا، تقترب العدالة من كلمتها الأخيرة.
النيابة تطلب القصاص: دماء أطفال أبرياء أمانة أمام عدالتكم
شهدت قاعة محكمة جنايات المنيا، أمس السبت، واحدة من أكثر الجلسات تأثيرًا في قضية الرأي العام المعروفة بـ «مذبحة دلجا»، حين ألقى المستشار أحمد عبد الخالق، ممثل النيابة العامة بجنوب المنيا، مرافعته أمام هيئة المحكمة برئاسة المستشار علاء الدين محمد عباس، وعضوية المستشارين حسين نجيدة وأحمد محمد نصر، وأمانة سر أحمد سمير وعادل إمام.
حيث قررت المحكمة إحالة أوراق المتهمة «هاجر» في نهاية الجلسة، إلى فضيلة مفتي الجمهورية لاستطلاع الرأي الشرعي في إعدامها، وحددت جلسة 8 نوفمبر، المقبل للنطق بالحكم مع استمرار حبسها حتى الموعد المحدد، وجاء القرار بإجماع آراء أعضاء الدائرة الأولى.
كلمات النيابة التي أبكت الحضور
وقف ممثل النيابة مخاطبًا القضاة بصوتٍ متهدّج قائلًا: نقف اليوم بين عدالتكم الموقّرة محمّلين بأمانة تهتزّ لها الجبال، دماء أطفال أبرياء أُزهقت ظلمًا، وطفولة وئدت على حين غِرّة، وأبٌ كان سندًا لأبنائه فغُدر به داخل بيته.
ثم تلا ممثل النيابة مقطعًا شعريًا مؤلمًا لخّص فيه مأساة دلجا فقال: في بيت ودٍّ كان يمرح الصغار، فإذ بخبزٍ يرسله غدرٌ بوجهٍ مستعار، خبزٌ آتى لكنه سمٌّ خفيّ، والسم في الأحشاء نار، يا ويح أمٍ فقدت أطفالها بين يديها جثثًا كالغصون، تناديهم فلا يجيبون، وصرخة الجيران في القرية تملأ الأركان، ما عاد في دلجا أمان ولا سكون.
اتهامات النيابة: القتل بالسم وتدبير مسبق
ونظرت المحكمة في القضية رقم 13282 لسنة 2025 جنايات ديرمواس، والمقيدة برقم 2579 لسنة 2025 كلي جنوب المنيا، والمتهمة فيها هاجر. أ. ع. م، البالغة من العمر 26 عامًا، والمحبوسة حاليًا على ذمة التحقيقات.
وجهت النيابة إلى المتهمة اتهامات بالقتل العمد مع سبق الإصرار باستخدام مادة «الكلوروفينابير» السامة خلال الفترة من 6 إلى 25 يوليو 2025، ما أدى إلى وفاة زوجها وأطفاله الـ6، إضافة إلى الشروع في قتل «أم هاشم أحمد عبد الفتاح»، زوجة المجني عليه الأولى، بعد أن دسّت لها الخبز المسموم لتناوله برفقة أبنائها.
وجاءت التحقيقات التي قادها فريق من نيابات جنوب المنيا، برئاسة المستشار محمد أبوكريشة، وضم كلًا من المستشارين أحمد قورة، سعيد عبد الجواد، محمود بكري، أحمد جمال، وعبد الرحمن عرفان، لتؤكد أن الجريمة كانت مدبّرة بعناية داخل البيت نفسه، وأن المتهمة أعدّت السم خصيصًا وخلطته بالعجين أثناء إعداد الخبز.
وأكدت الأدلة الفنية والطب الشرعي أن الوفاة ناتجة عن تناول مادة سامة قاتلة لا يظهر أثرها بسهولة، وأن جرامًا واحدًا فقط منها كفيل بقتل إنسان يزن 100 كيلوجرام.
من المرض إلى الفاجعة كيف اكتُشفت الكارثة
بدأت المأساة في يوليو الماضي، حين أُصيب أطفال الأسرة بأعراض إعياء غامضة تباعًا، وسط حيرة الأطباء وتضارب التشخيصات، في أقل من أسبوعين، رحل 6 أطفال ثم والدهم بنفس الأعراض، وبينما كانت القرية تودّعهم وسط صدمة عامة، كانت الأم تبكي في صمتٍ يحمل سرّ الجريمة.
الضحايا هم: ريم ناصر «10 أعوام»، عمر «7 أعوام»، محمد «11 عامًا»، أحمد «5 أعوام»، رحمة «12 عامًا»، فرحة «14 عامًا»، إضافة إلى الأب ناصر محمد «48 عامًا»، الذي لحق بأبنائه بعد إصابته بذات الأعراض.
دلجا تترقب الحكم والعدالة تقترب
تحوّلت قرية دلجا إلى ساحة حزنٍ عارم، لم تنطفئ نارها منذ يوليو الماضي وحتي أمس، ومع إحالة أوراق المتهمة إلى المفتي، ينتظر الأهالي والاسرة والرآي العام جلسة النطق بالحكم يوم 8 نوفمبر المقبل، في انتظار كلمة العدالة الفصل.
فيما لا تزال دموع جدة الأطفال تتحدث نيابة عن الجميع بهذه الكلمات: راحوا الصغار يا بيه، بس عدالة ربنا ما بترحمش ظالم.