متسمعش للمتطرفين| المتحف المصري الكبير امتداد لأرض الموحدين (7 أسئلة شرعية)
يترقب العالم افتتاح المتحف المصري الكبير كواحد من أعظم المتاحف التي تضم بين جنباتها آثارًا يمتد جذورها في عمق التاريخ؛ تبقى شاهدة على عظمة المصري القديم وتكتب لأحفادهم فخر يمتد إلى أن يشاء الله جل وعلا.
ووسط ما تسطره الدولة المصرية من إبداع تلو الآخر يرسخ أننا سائرون على درب الأجداد تتعالى أصوات من يحرمون ويشوهون ويسعون لتعكير صفو الاحتفاء بتلك العظمة، وحتى لا تسمع لمتطرف صحح أمناء الفتوى أخطاءً شائعة وفتاوى متطرفة عن الحضارة المصرية.

المصري القديم أول من آمن بالبعث
يقول الدكتور عمرو الورداني، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن المصري القديم كان من أوائل من آمنوا بالبعث بعد الموت وبالحساب أمام محكمة إلهية تحاسبه على أفعاله في الدنيا، مشيرًا إلى أن هذه العقيدة تجلت بوضوح في كتاب الموتى الذي خلّد إيمان المصريين بالحياة بعد الموت.
كما أن المصريين القدماء كانوا يعبرون عن هذا الإيمان بعبارات توحيدية عميقة، مثل قولهم: "أنت الأول وليس قبلك شيء، وأنت الآخر وليس بعدك شيء"، وهذه العبارات، على حد قوله، جعلت عددًا من العلماء، ومنهم الدكتور مصطفى محمود، يدعون إلى إعادة قراءة التاريخ المصري لإثبات أن المصريين القدماء آمنوا بإله واحد.
وأكد أمين الفتوى أن الحضارة المصرية القديمة كانت محطة من محطات النور الإلهي، وأن الإيمان جزء أصيل من الهوية المصرية وليس دخيلًا عليها، مشددًا على أهمية قراءة الحضارة المصرية والتاريخ المصري "من عند الله"، أي من منظور يربط بين الروح والعمران.
المعابد المصرية لم تعرف عبادة الأصنام
أما عن المعابد المصرية، فقال إن المعابد المصرية مثل معابد الأقصر والكرنك، لم تكن معابد للأصنام كما يظن البعض، بل كانت مدارس للجمال والاتقان والتأمل، يدخلها المصري القديم ليعيش حالة من الخشوع أمام الخالق الأعظم الذي صنع الكون وأبدع النظام والجمال.
وأشار إلى أن النقوش الدقيقة وتناسق الضوء داخل المعابد ليست رموزًا وثنية، وإنما شواهد على عمق التأمل والبحث عن الكمال الذي غرسه الله في الإنسان، مستشهدًا بقول النبي ﷺ: «إن الله جميل يحب الجمال».
حكم زيارة المتاحف والمعابد اليوم
أكد على أن زيارة المتاحف والمعابد اليوم يجب أن تكون لحظات تأمل وشكر لله على ما علم الإنسان من بيان، قائلًا: "المعابد ليست ضد الإيمان، بل كانت بداية طريق التأمل والمعرفة، ومصر ستبقى بلد النور والجمال والإيمان".
يوم افتتاح المتحف المصري الكبير من أيام الله
وقال الورداني، إننا على موعد مع يوم من أيام الله في تاريخ هذا الوطن العظيم، يومٍ يحمل في طياته رسالة روحية وفكرية خالدة مع افتتاح المتحف المصري الكبير في الأول من نوفمبر، مشيرًا إلى أن هذا الحدث ليس مجرد افتتاح لمبنى ضخم أو صرح معماري فريد، بل هو هدية مصر للعالم، تحمل في داخلها “هداية من الله سبحانه وتعالى”، تجمع بين العلم والجمال والإيمان، وتؤكد أن العمران الحقيقي يبدأ من الروح.
وأضاف الورداني أن ما تقدمه مصر من خلال هذا المتحف هو تجسيد لمعنى الإحسان والإتقان الذي أمر الله به في قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء»، وأن ما صنعه الإنسان المصري القديم لم يكن عبادة للأثر، بل تجليًا لقدرة الله وإلهامًا من نوره في الكون.
الحضارة المصرية.. توحيد وجمال وإبداع
وشدد على أن الوقت قد حان لتصحيح نظرتنا إلى آثارنا المصرية، فبدلًا من قراءتها بعينٍ سوداء ترى فيها رموزًا وثنية أو جاهلية، علينا أن نقرأها بعين الإيمان التي تدرك أنها ثمرة توفيقٍ من الله، ودليلٌ على سعي الإنسان المصري القديم إلى الكمال والجمال الذي فطره الله عليه.
وأكد أن الحضارة المصرية لم تكن منفصلة عن حضارة التوحيد كما يظن البعض، فالمصري القديم كان دائم البحث عن الواحد الأحد وراء كل مظاهر الوجود، يرى الشمس رمزًا للنور، والنيل رمزًا للحياة، لكنه كان يسأل دائمًا: من وراء النور؟ ومن خلق الحياة؟، وأن إخناتون حين وحّد العبادة لآتون لم يكن يعبد الشمس بذاتها، بل جعلها رمزًا للخالق الواحد الذي أبدع هذا الكون، ولذلك رأى كثير من العلماء أن المصريين القدماء لم يكونوا عبدة أوثان، بل كانوا يبحثون عن المعنى الإلهي وراء كل رمز.

مع افتتاح المتحف المصري الكبير.. هل تماثيله أصنام يجب هدمها؟
وتحت عنوان "تماثيل المتحف أصنام يجب هدمها!!"، فند أمين الفتوى بدار الإفتاء الدكتور هشام ربيع ما يشاع من تشدد وفتوى متطرفة تقلل من شأن عظمة الحضارة المصرية، وقال: لا تستغرب أيها القارئ مِن تلك المقولة، فهي مترسِّخة في أذهان المتشدِّدين وإن لم يقدروا أن يتفوَّهوا بها، تلك المقولة التي تتماشى مع أدبياتهم التي ترى تحويل الإرث الحضاري العظيم إلى مجرد أصنام يجب كسرها!!
أكد أن هذه المقولة الخاطئة فضلًا عن مخالفتها الشرعية فهي طعنة في قلب الهُوية وجريمة بحق ذاكرة الأمة، فهي:
- تَقْطَع الأجيال عن جذورها؛ إذ هذه الآثار هي صلة الوصل بين الحاضر والماضي، وبتحطيمها ننشئ أجيالًا بلا ذاكرة، مقطوعة عن تاريخها، وسهلة الانقياد لأي فكر دخيل.
- وتُقدِّم صورة همجية عن الإسلام، إذ يرى العالم في هذه الدعوات بربرية وجهلًا، فتتحول رسالة الإسلام من نور وهداية إلى دعوة للخراب والدمار، وهو ما يسعى إليه أعداء الدين لتشويه صورته.
- وتُدمِّر مصدرًا للعلم والاقتصاد، فهذه المتاحف هي مراكز للعلم والمعرفة، ومصدر رزق لملايين البشر من خلال السياحة التي أقرها الشرع كوسيلة للاعتبار والسير في الأرض.
حكم الشرع في المحافظة على الآثار
ومِن الناحية الشرعية: فالمحافظة على هذه الآثار حَثَّت عليها شريعتنا الإسلامية؛ فهي تُذَكِّر المسلمين بماضيهم وتربط قلوبهم بوقائع الله تعالى وأيّامه؛ وقد قال سبحانه: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ﴾ [إبراهيم: 5]، فهذا أمر مُطْلَق؛ والمُطْلَق يجري على إطلاقه حتى يأتي ما يقيده، وكُلّ ما يَحْصُل به هذا التذكير يكون وسيلةً لتحقيقه، فيكون مطلوبًا شرعًا؛ والقاعدة الشرعية أنَّ -الوسائل تأخذ حكم المقاصد-.



