هل يجوز قراءة الفاتحة عند عقد الزواج أم تعد من البدعة؟

أكدت دار الإفتاء أنه يجوز قراءة الفاتحة عند عقد الزواج، بل ويُستحب ذلك تبركًا بها وتيمنًا بآياتها؛ فقد اتفق علماء المسلمين قديمًا وحديثًا على استحباب قراءتها في تحقيق المقاصد، وتيسير الأمور، وقضاء الحاجات، واستجابة الدعاء، وغيرها من المطالب الدنيوية والأخروية. وقد جرى عمل المسلمين عبر العصور على هذا الأمر، لما ورد في النصوص الشرعية من خصوصية لهذه السورة دون غيرها؛ قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ [الحجر: 87]، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أُمُّ الْقُرْآنِ عِوَضٌ مِنْ غَيْرِهَا، وَلَيْسَ غَيْرُهَا مِنْهَا عِوَضٌ» رواه الدارقطني والحاكم. وجاء في حديث آخر: «يَا جَابِرُ، أَلَا أُخْبِرُكَ بِخَيْرِ سُورَةٍ نَزَلَتْ فِي الْقُرْآنِ؟» قال: بلى يا رسول الله، قال: «فَاتِحَةُ الْكِتَابِ»، قال الراوي: وأحسبه قال: «فِيهَا شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ» رواه البيهقي في شعب الإيمان.
مشروعية قراءة الفاتحة في افتتاح المجالس
قراءة سورة الفاتحة في بداية الدعاء أو ختامه، أو عند قضاء الحوائج، أو في مجالس الصلح، أو في عقد النكاح، أو في غير ذلك من المناسبات المهمة للناس، أمر مشروع تؤيده الأدلة العامة على استحباب تلاوة القرآن، إلى جانب النصوص الشرعية الكثيرة التي تؤكد خصوصية الفاتحة في تيسير الأمور وإنجاح المقاصد وإجابة الدعاء.
الأدلة من القرآن
تشمل قول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ﴾ [فاطر: 29]، وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ؛ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ» رواه مسلم.
ومن المعلوم في أصول الفقه أن الأمر المطلق يفيد العموم، سواء في الأشخاص أو الأزمنة أو الأحوال، وبالتالي تبقى قراءة الفاتحة مشروعة في جميع هذه المواضع ما لم يرد نص يمنعها. أما مجرد ترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبعض الأفعال فلا يعد دليلًا على عدم مشروعيتها، وهو ما أجمع عليه العلماء.
الأدلة من السنة النبوية
وردت نصوص عديدة تُبرز خصوصية الفاتحة: قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ [الحجر: 87]، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُه» رواه البخاري. كما وصفها صلى الله عليه وآله وسلم بأنها «خَيْرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ فِي الْقُرْآنِ» وبأنها «رُقْيَة» و«شِفَاء».
ولهذا جاءت مشروعيتها في مواضع متعددة كأصل في الصلاة وركن لا تصح إلا به، وفي صلاة الجنازة دون غيرها، كما استعملها الصحابة في الرقية ولقضاء الحاجات، وأقرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك.
عمل السلف والفقهاء
نقل عن الصحابة والتابعين والأئمة استحسان قراءة الفاتحة في بعض المناسبات، مثل: بعد الجمعة، عند الطعام، عند السفر، بعد الصلوات، وفي قضاء الحوائج. وقد توسع الفقهاء في بيان ذلك، فعدّوها من الأعمال الجائزة بل المستحسنة، وأكدوا أن لها أثرًا خاصًا في قضاء الحاجات ودفع البلاء.
الرد على المعترضين
أما من ينكرون قراءة الفاتحة في هذه المواضع، بحجة أنها لم ترد بنص خاص، فهم يضيّقون على الناس واسعًا ويقعون في التشدد المخالف لعمل الأمة عبر عصورها. فالشرع جاء بالتوسعة وفتح أبواب الذكر في كل الأحوال، والاعتراض على ما اعتاده المسلمون من ذكر الله وقراءة الفاتحة في مناسباتهم يفضي إلى إضعاف المظاهر الدينية وإقصاء ذكر الله عن المجالس العامة، وهو ما لا يقره الشرع