التسويق بالاتصال العشوائي.. بين أزمة العقارات وتدخل جهاز تنظيم الاتصالات

لم يعد الهاتف المحمول وسيلة للتواصل الشخصي أو أداة للاطمئنان بين الأهل والأصدقاء فقط، بل تحوّل في الآونة الأخيرة إلى نافذة مفتوحة على إعلانات لا تنتهي، خاصة من شركات التسويق العقاري التي تتسابق لإغراق المواطنين بمكالمات متكررة، وفي أوقات غير مناسبة.
ومع ازدياد هذه الظاهرة، تصاعدت شكاوى المستخدمين الذين باتوا يشعرون أن خصوصيتهم في خطر، بينما وجد جهاز تنظيم الاتصالات نفسه في قلب المشهد كجهة رقابية مطالبة بحماية حق المواطن وفرض الانضباط في سوق عشوائي.
وفي سياق متصل ، يرى مصدر مطلع أن الاعتماد المفرط على الاتصالات الهاتفية العشوائية يكشف عن أزمة في أدوات الترويج التقليدية، حيث تلجأ بعض الشركات إلى شراءقواعد بيانات مجهولة المصدر تحتوي على أرقام عملاء، من دون إذنهم أو علمهم، موضحا أنه ما يجعل الأمر أقرب إلى انتهاك للخصوصية منه إلى حملة دعائية.
وكشف المصدر في تصريحات خاصة لموقع «نيوز رووم» أن بعض الشركات لا تكتفي بالاتصال المباشر، بل تلجأ إلى أساليب أخرى مثل الرسائل النصية الجماعية أو المكالمات المسجلة مسبقًا (روبوت كول)، وهي ممارسات تزيد من صعوبة تتبع مصدرها وتضاعف من إزعاج المواطنين.
تؤكد البيانات الرسمية أن حجم الشكاوى المقدمة من المواطنين في تزايد مستمر ، ففي النصف الأول من عام 2025، تلقى جهاز تنظيم الاتصالات 123,857 شكوى من المستخدمين ضد مقدمي خدمات الاتصالات، جاء من بينها أكثر من 59 ألف شكوى مرتبطة بخدمات الهاتف المحمول وحدها، وهي القناة الرئيسية التي تنفذ منها مكالمات التسويق العقاري.
ويتيح الجهاز للمواطنين تقديم شكاوى عبر الخط الساخن 155 أو من خلال تطبيق "My NTRA"، مع متوسط زمن استجابة لا يتجاوز يومًا واحدًا في أغلب الحالات، بنسبة معالجة وصلت إلى 97% من إجمالي الشكاوى.
كما أعلن الجهاز عن إجراءات جديدة لمواجهة الاتصالات التسويقية المزعجة، أبرزها إلزام الشركات بإظهار هوية المتصل أو توضيح أن المكالمة "ترويجية"، إلى جانب تسجيل الشركات رسميًا للحصول على تصاريح قبل القيام بأي نشاط دعائي عبر الهاتف، مع فرض غرامات رادعة على المخالفين.
تجارب دولية ناجحة
في الولايات المتحدة، طبقت الحكومة نظام قائمة عدم الاتصال (Do Not Call List) الذي يتيح للمستخدمين تسجيل أرقامهم لمنع الشركات من التواصل معهم، بينما فرض الاتحاد الأوروبي تشريعات حماية البيانات (GDPR) التي تجرّم استخدام أرقام العملاء في أي نشاط تسويقي دون موافقة مسبقة منهم.
المعادلة الصعبة تسويق فعّال بلا إزعاج
يبقى التحدي أمام شركات العقارات في مصر هو الموازنة بين الرغبة في الوصول إلى العملاء وبين احترام خصوصيتهم. ومع تطور أدوات التسويق الرقمي عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، يرى الخبراء أن الحل يكمن في الانتقال من الهاتف إلى الشاشة، وتبني حملات أكثر ابتكارًا بدلاً من المكالمات العشوائية.
الظاهرة لم تعد مجرد انزعاج شخصي، بل قضية تتعلق بحقوق المستهلك وتنظيم السوق العقاري والإعلاني، وبينما يتخذ جهاز تنظيم الاتصالات خطوات لضبط الفوضى، يبقى السؤال.. متى يتوقف جرس الهاتف عن أن يكون جرس إنذار ينبهنا لغياب الضوابط؟