ما حكم قول: "اللهم اجعل مثواه الجنة" في الدعاء للميت؟

أكدت دار الإفتاء أن الدعاء للميت بقول: “اللهم اجعل مثواه الجنة” دعاء جائز ولا حرج فيه شرعًا، إذ لا دليل على قصر لفظ المثوى على النار لا في لغة العرب ولا في نصوص الشرع، ومن يمنع من ذلك إنما يتكلم بغير علم، ويقع في لون من التشدد المذموم الذي لا أصل له
حكم الدعاء للميت
الدعاء للميت عبادة مشروعة ووسيلة عظيمة ينتفع بها الميت بعد وفاته، إذ تُعَدّ من أعظم ما يُقدمه الأحياء لأمواتهم. وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ».
وذكر الولد في الحديث لا يعني قصر الدعاء عليه، بل المقصود التحفيز على برّ الوالدين بالدعاء، وإلا فإن دعاء غير الولد يصل أيضًا إلى الميت. وقد أشار الإمام النووي في “شرح مسلم” إلى أن الدعاء والصدقة يصل ثوابهما إلى الميت، وهو أمر أجمع عليه العلماء.
الدعاء بلفظ: “اللهم اجعل مثواه الجنة”
لا مانع شرعًا من قول المسلم في دعائه للميت: “اللهم اجعل مثواه الجنة”، فهي عبارة جائزة لا إشكال فيها. فكلمة “المثوى” في أصلها اللغوي تعني مكان الإقامة أو المستقر، وهو مصدر ميمي من “الثواء”. وقد جاء هذا الاستعمال في اللغة العربية والقرآن الكريم والسنة النبوية.
معنى “المثوى” لغةً
المثوى يعني المكان الذي يقيم فيه الإنسان أو يلازمه. جاء في “لسان العرب” أن المثوى هو المنزل أو الموضع الذي يثوي إليه الشخص. ومما ورد في الشعر قول الأعشى:
“أثوى وقصر ليلةً ليُزَوَّدا *** ومضى وأخلف من قتيلة موعدا”
فأثوى هنا بمعنى أقام، وهو نفس معنى “ثوى”.
استعمال “المثوى” في القرآن والسنة
القرآن الكريم استعمل لفظ “المثوى” في أكثر من موضع، بمعنى المنزل أو المقام دون تخصيص بالجنة أو النار.
• قال تعالى على لسان عزيز مصر في شأن يوسف عليه السلام: ﴿أَكْرِمِي مَثْوَاهُ﴾ [يوسف: 21]، أي مكان إقامته.
• وقال يوسف عليه السلام: ﴿إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾ [يوسف: 23]، أي منزلتي ومقامي عنده.
• وجاء في قوله تعالى: ﴿وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ﴾ [محمد: 19]، أي يعلم أحوالكم ومصيركم ومستقركم.
كما وردت الكلمة في السنة النبوية، مثل قوله صلى الله عليه وسلم لزينب ابنته في شأن أبي العاص: «أكرمي مثواه»، أي أحسني ضيافته ومكان إقامته.
الفرق بين “المثوى” و”المأوى” و”المستقر”
بعض الناس يظن أن استعمال “المأوى” أو “المستقر” أخص بالجنة، وأن “المثوى” يختص بالنار، وهذا غير صحيح، بل هو مخالف للغة والقرآن.
• المأوى: يعني الملجأ أو المسكن، وقد جاء في القرآن مقترنًا بالنار، مثل قوله تعالى: ﴿فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ [النازعات: 39].
• المستقر: يعني مكان القرار والثبات، واستُعمل في النار أيضًا، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴾ [الفرقان: 66].
إذن فالألفاظ الثلاثة كلها عامة في المعنى، ويصح إطلاقها مع الجنة أو النار، غير أن “المثوى” يدل على الإقامة الدائمة، بينما “المأوى” أعم، فقد يكون للجوء المؤقت أو الدائم.