ما حكم إجراء عملية شد الوجه لإزالة التجاعيد؟.. الإفتاء توضح

في زمن أصبحت فيه عمليات التجميل من أبرز مظاهر الاهتمام بالمظهر والشباب الدائم، يطرح الكثيرون سؤالًا: ما الحكم الشرعي لإجراء عملية شد الوجه بغرض إزالة التجاعيد واستعادة النضارة
ما حكم إجراء عملية شد الوجه لإزالة التجاعيد؟.
أوضحت دار الإفتاء أنه لا حرج شرعًا في إجراء عملية شد الوجه للتخلص من التجاعيد والترهلات، متى أثبت الطبيب المختص أن لا وسيلة أخرى تحقق الغرض سوى هذا التدخل.
ولا يُعَدُّ ذلك من قبيل التغيير المذموم لخلق الله؛ لأن النهي الوارد إنما يتعلق بتبديل الهيئة الأصلية أو إزالة الصفات الخِلقية التي تُعرَف بها، أما شد الوجه فهو لا يُغيّر الصورة ولا يبدّلها، وإنما يعيدها إلى حالتها الطبيعية التي كانت عليها، فهو أقرب إلى الإصلاح والترميم لا إلى التغيير أو التبديل.
مراعاة الشريعة الإسلامية للفطرة الإنسانية
اعتنت الشريعة الإسلامية بما جُبلت عليه النفس البشرية من ميول ورغبات طبيعية، فجعلت تلبية هذه الحاجات في إطار الاعتدال مقصدًا شرعيًّا معتبرًا، قال تعالى: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك: 14]. ومن أبرز ما فُطرت عليه النساء حبّ الزينة، ولذلك شُرع لهن من مظاهرها ما لم يُشرع للرجال كالذهب والحرير، قال تعالى: ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾ [الزخرف: 18]. وبيّن أهل التفسير أن الآية تشير إلى نشأة البنت في الزينة وحبها لها.
تصور عملية شد الوجه
من المعلوم أن الوجه يمثل أهم مواضع الزينة عند المرأة، غير أن عوامل الحياة المختلفة قد تؤثر على نضارته وحيويته، فتظهر عليه التجاعيد أو الترهل أو تغير اللون، مما يدفع إلى البحث عن وسائل طبية لإعادة جماله الطبيعي. وتتراوح هذه الوسائل بين العلاجات السطحية كالمستحضرات الطبية، وبين التدخلات التجميلية كعمليات شد الوجه، خاصة عند الحالات التي لا تنفع معها الطرق البسيطة. وأكثر هذه العمليات شيوعًا يتمثل في شد الأنسجة الرخوة للوجه بوسائل متعددة كالليزر أو الحقن أو الخيوط الطبية، بهدف استعادة النضارة وتحفيز إنتاج الكولاجين.
الحكم الشرعي في شد الوجه لإزالة التجاعيد
المقصد من هذه العمليات لا يخرج عن إعادة الوجه إلى صورته الأصلية التي خلقه الله عليها في أحسن تقويم، قال تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين: 4]. ومن هنا فهي ليست تغييرًا للخلقة، بل إصلاحًا لها وردًّا لهيئتها الطبيعية. وقد عُرف عن نساء الصحابة رضي الله عنهن استعمال الوسائل الطبيعية لتجديد البشرة وإزالة ما يطرأ عليها من كلف أو بقع، كما ورد عن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها أنهن كن يطلين وجوههن بالورس لإزالة آثار الكلف. ويُستحب ذلك أكثر إذا كان التجمل فيه للزوج، لِما ورد من أن خير النساء من تُسِرّ زوجها إذا نظر إليها.
المشروعية عند الحاجة الطبية
يزداد التأكيد على الجواز إذا كان شد الوجه بغرض علاج أثرٍ مرضي أو إزالة عيب يسبب أذى نفسيًّا أو عضويًّا؛ لأنه يدخل في إطار التداوي المأمور به شرعًا. وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «تَداوَوا؛ فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ لم يَضَع داءً إلَّا وَضَعَ له دَواءً غيرَ داءٍ واحِدٍ: الهَرَمُ» (رواه أبو داود والترمذي). والقاعدة الشرعية تقرر أن “الضرر يُزال”، وهذا ينسحب على الأذى الجسدي والمعنوي معًا.
الرد على شبهة تغيير خلق الله
قد يُظن أن شد الوجه يدخل في النهي عن تغيير خلق الله الوارد في قوله تعالى: ﴿فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾ [النساء: 119]، لكن هذا غير صحيح؛ لأن المفسرين اختلفوا في معنى الآية بين تغيير الدين وتبديل الأحكام، أو التغيير المذموم كالوشم والنمص. أما شد الوجه فليس فيه تبديل للصورة أو الصفة، بل هو إعادة لما كان عليه الوجه من جمال وهيئة. ومن هنا لا يصح قياسه على الوشم أو النمص التي نُهي عنها لكونها من التدليس أو مما يُفضي للفاحشة.
ضابط التغيير الممنوع شرعًا
القاعدة عند العلماء أن التغيير المذموم لخلق الله هو ما كان دائمًا وله أثر باقٍ يسبب ضررًا أو يتضمن طاعة للشيطان، كقطع عضو أو الوشم، أما ما كان ترميمًا أو إصلاحًا أو زينة عارضة كالكحل أو إزالة العيوب فلا يدخل في النهي. وقد قرر ابن حجر أن المرأة إذا لحقها ضرر أو أذى بسبب خلقة معينة فلها أن تُغيرها لدفع الضرر.
إذن، فإن شد الوجه لإزالة التجاعيد أو الترهل –سواء للتجميل المشروع أو للعلاج– جائز شرعًا، ما دام بضوابطه الطبية ومن غير إفراط أو إسراف، باعتباره إصلاحًا لا تغييرًا، وزينةً لا تدليسًا