ما حكم كتابة بعض الآيات والأذكار على الكفن؟ .. الإفتاء تجيب

تثار بين الحين والآخر تساؤلات حول بعض العادات المرتبطة بتجهيز الموتى، ومن أبرزها مسألة كتابة آيات من القرآن الكريم أو بعض الأذكار على الكفن وفي هذا السياق أوضحت دار الإفتاء أنه لا يجوز شرعًا كتابة آيات القرآن الكريم أو الأذكار وأسماء الله تعالى على الكفن، ويُعد ذلك أمرًا محرَّمًا؛ لأنه يعرّض كلام الله تعالى للامتهان عند ملامسته لما يخرج من جسد الميت من صديد أو دم أو غير ذلك من النجاسات.
حثّ الشرع على تكفين الميت في الثياب الطيبة
الكفن هو اللباس الذي يُوارى به جسد الميت، والتكفين معناه لفّه فيه سترًا له وصيانة لكرامته. وقد أجمع الفقهاء على أن تكفين المسلم بعد وفاته واجب كفائي، إذا قام به بعض المسلمين سقط الإثم عن الباقين، وذلك تنفيذًا لأمر النبي ﷺ، ولأن الإنسان كما له حرمة في حياته فله حرمة بعد وفاته، والستر واجب في الحالين.
قال ابن قدامة في المغني: “يجب كفن الميت، لأن النبي ﷺ أمر به، ولأن سترته واجبة في الحياة فكذلك بعد الموت”. كما نقل الحافظ العراقي في طرح التثريب اتفاق المسلمين على وجوب تكفين الميت، واعتباره فرض كفاية.
ولم يقف الأمر عند مجرد الوجوب، بل ندب الشرع إلى تحسين الكفن واختيار الثياب الحسنة له؛ فعن جابر رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «إِذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ» رواه مسلم. ومن هدي الشريعة أن يكون الكفن أبيض اللون، سواء كان جديدًا أو مغسولًا، والجديد أولى لما فيه من تحسين الكفن. وقد جاءت نصوص المذاهب الأربعة لتؤكد ذلك وتوصي به.
حكم كتابة القرآن أو الأذكار على الكفن
إن القرآن الكريم وأسماء الله تعالى وسائر الأذكار من أعظم شعائر الدين، وقد أمرنا الله بتعظيمها فقال: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32]. ومن تعظيمها صيانتها عن أي امتهان أو ابتذال، ولهذا أجمع العلماء على ضرورة احترام المصحف وكل ما يتضمن ألفاظ القرآن أو أسماء الله تعالى، ومنعوا كل ما يؤدي إلى امتهانها أو تعريضها للنجاسة.
وبناءً على ذلك، قرر جمهور الفقهاء أنه لا يجوز كتابة آيات القرآن أو الأذكار على أكفان الموتى؛ لأن الكفن يلاصق جسد الميت ويتعرض حتمًا للصديد والدم وما يخرج من بدنه، وفي ذلك أعظم امتهان للنصوص المقدسة.
قال ابن تيمية: “يجب احترام القرآن حيث كُتب، وتحرم كتابته حيث يُهان”. وقال النووي: “أجمع المسلمون على وجوب صيانة المصحف واحترامه”. وهذا المعنى ظاهر في حالة الكفن؛ إذ لا مفرّ من ملاقاته للنجاسة، فيكون المنع فيه آكد.
ولهذا أفتى كبار العلماء قديمًا وحديثًا، كابن الصلاح وابن حجر الهيتمي، بتحريم كتابة القرآن أو أسماء الله على الكفن، وعدّوا ذلك غاية في الإهانة. كما نصّ فقهاء المذاهب الأربعة على نفس الحكم:
• الحنفية: نص ابن عابدين في رد المحتار أن كتابة القرآن على ما يُعرّض للامتهان، ومنها الأكفان، لا تجوز.
• المالكية: قرر الدردير والدسوقي أن النقش والكتابة على الأكفان بما فيه أسماء الله أو القرآن حرام لما فيه من الامتهان.
• الشافعية: قال البجيرمي: “يحرم كتابة شيء من القرآن على الكفن صيانة له عن صديد الموتى، ومثله كل اسم معظم”.
• الحنابلة: ذكر الرحيباني أن قواعد المذهب تقضي بتحريم الكتابة على الأكفان لما تؤدي إليه من التنجيس والامتهان.
وبذلك يتضح أن كتابة القرآن أو الأذكار على الكفن محرمة عند جمهور الفقهاء، لأنها تُفضي إلى انتهاك قدسية النصوص بدل تعظيمها، وهو ما يتعارض مع مقاصد الشريعة في صيانة كتاب الله وأسمائه المقدسة