هل يجوز التداوي بالكي.. وهل هناك شروط وضوابط للاستخدام ؟

مع تطور الطب الحديث وتعدد وسائل العلاج، قد يتساءل البعض عن جدوى بعض الوسائل التقليدية التي اشتهرت منذ القدم، ومن أبرزها العلاج بالكي، وفي هذا السياق أوضحت دار الإفتاء أنه يجوز شرعًا علاج المريض بالكي إذا غلب على ظنه أن فيه النفع والشفاء، خاصة عند عدم جدوى وسائل العلاج الأخرى، وذلك لحاجته إليه وما فيه من مداواة ودفع للضرر
التداوي وأدلته الشرعية
وردت في نصوص الشريعة الإسلامية توجيهات كثيرة تحث على التداوي والأخذ بأسباب العلاج، ومن ذلك ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا أَنْزَلَ اللهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً»، وما رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ؛ فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ».
كما جاء في “سنن أبي داود” عن أسامة بن شريك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «تَدَاوَوْا؛ فَإِنَّ اللهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً، غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ: الْهَرَمُ».
حكم التداوي بالكي وأدلته
الكي من وسائل العلاج القديمة، ويكون باستخدام أداة معدنية محماة توضع على مواضع محددة من الجسد لعلاج بعض الأمراض. وقد أجاز الشرع استعماله عند الحاجة، خصوصًا إذا لم تُجدِ الأدوية الأخرى.
ودليل مشروعيته ما رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه: أن سعد بن معاذ رضي الله عنه جُرح في أكحله، «فحسمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيده بمشقص»، وما جاء أيضًا عن جابر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث إلى أبي بن كعب طبيبًا فقطع منه عِرقًا ثم كواه.
وقد أوضح الإمام النووي أن الكي يُستعمل عند تعذر نفع الأدوية الأخرى، فهو آخر مراحل العلاج، وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ» إشارة إلى أن الكي لا يُلجأ إليه إلا عند الضرورة، نظرًا لما فيه من ألم شديد.
الجمع بين النصوص الواردة في إباحته والنهي عنه
وردت أحاديث ظاهرها النهي عن الكي، وقد بيّن العلماء أنها محمولة على الكراهة أو على ما لا تدعو إليه الحاجة. فالأصل أن الكي جائز عند الضرورة، لكنه يُترك إذا وُجدت بدائل أخرى أقل ألمًا. وقد أوضح ابن حجر أن فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم للكي دليل على الجواز، بينما تركه له يدل على أن عدم استعماله أولى. وذكر ابن قتيبة أن الكي نوعان: أحدهما كيّ الصحيح وقاية من المرض، وهذا مكروه لكونه تعجّلًا بدفع القدر، والآخر كيّ المريض لعلاج جرح أو علة، وهذا جائز عند الحاجة.
وبناءا على ذلك
يتبين أن الشريعة أباحت التداوي بالكي إذا غلب على الظن أن فيه العلاج ولم تُجدِ وسائل أخرى، أما اللجوء إليه مع وجود بدائل نافعة أو لمجرد الاحتياط فالأولى تركه. وعليه: يجوز للمريض استعمال الكي عند الحاجة لما فيه من دفع الضرر، أما غير ذلك فهو خلاف الأولى