صوت المرأة عورة.. ما صحة هذه المقولة وهل سماعه جائز شرعا؟

"صوت المرأة عورة"، مقولة يرددها بعض المتشددين دون سند شرعي واضح، مما دفع دار الإفتاء المصرية إلى إعادة التأكيد على موقفها الشرعي من المسألة.
فقد أوضحت الدار في بيان علمي مفصل أن القول بـ"صوت المرأة عورة" قول غير دقيق شرعًا، ولا يستند إلى نصوص صريحة من الكتاب أو السنة، بل يتنافى مع ما ثبت من تعامل النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع الصحابيات ومخاطبتهن في الأمور الدينية والدنيوية.
هل صوت المرأة عورة؟
وأكدت الدار أن الأصل في صوت المرأة أنه ليس بعورة، وأن التحريم لا يكون إلا عند قيام الفتنة أو القصد المحرم، نافيةً أن يكون السماع المجرد لصوتها -في إطار العمل أو الحياة اليومية- داخلًا في دائرة التحريم، كما يزعم بعض المغالين.
أكدت دار الإفتاء المصرية أن القول بأن صوت المرأة "عورة" على الإطلاق قول غير صحيح ومخالف لما دلت عليه الأدلة الشرعية وأقوال جمهور العلماء، موضحةً أن سماع الرجل لصوت المرأة جائز شرعًا ما دام ذلك بعيدًا عن الفتنة، وخاليًا من التلذذ المحرَّم أو النية الفاسدة.
وفي تقرير علمي موسّع نشرته الدار عبر منصاتها الرسمية، أوضحت أن صوت المرأة بمجرده لا يُعد عورة، وأن الأدلة من السنة النبوية المطهرة تؤكد جواز سماع الرجال لصوت النساء في غير مواضع الريبة أو الخلوة المحرمة. واستشهدت الدار بحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في "صحيح مسلم"، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاطب النساء مباشرةً، وردّت عليه إحداهن بالسؤال فاستمع إليها، وأجابها، بحضور الصحابة رضوان الله عليهم، مشيرةً إلى أن هذا الحديث وغيره دليل قاطع على أن مجرد الصوت ليس عورة.
كما نقلت دار الإفتاء أقوال كبار العلماء والفقهاء في هذا الشأن، منهم الإمام أبو زُرعة العراقي الذي قال: "صوت المرأة ليس بعورة؛ إذ لو كان عورة ما سمعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأقر أصحابه على سماعه"، معتبرًا أن هذا هو القول الأصح عند الشافعية.
وشددت الدار على أن المنع من الاستماع إلى صوت المرأة لا يكون إلا عند خوف الفتنة أو وجود نية التلذذ المحرم، وهو ما أكد عليه شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في كتابه "أسنى المطالب"، حيث قال: "الإصغاء لصوت المرأة جائز عند أمن الفتنة"، وهو ما يُجمع عليه فقهاء المذاهب الأربعة.
وفي هذا السياق، نوَّهت الدار إلى ضرورة التفريق بين الضوابط الأخلاقية للسماع وادعاءات بعض المتشددين الذين يعممون التحريم دون تمييز، مؤكدة أن مجرد سماع صوت المرأة في المحاضرات، أو في العمل، أو أثناء المعاملات، لا حرج فيه شرعًا، ما دام منضبطًا بالآداب الإسلامية العامة.
وأكدت دار الإفتاء أن ادعاء أن صوت المرأة عورة على الإطلاق مخالف للهدي النبوي، ولمنهج السلف الصالح، ومبني على مغالطات شرعية لا أساس لها، مشيرة إلى أن أمهات المؤمنين والصحابيات كن يُخاطبن الصحابة والناس، ويُفتين ويسألن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويُجابهن علنًا.
واختتمت الدار تقريرها بالتنبيه إلى أهمية الرجوع إلى العلماء الراسخين في الفهم، لا إلى الأقوال المتشددة التي تساهم في التضييق على الناس، مؤكدة أن الشريعة الإسلامية جاءت بالتيسير والعدل، واحترام المرأة وإنصافها، لا بإقصائها أو شيطنة صوتها.