إحياء ذكرى المولد النبوي 1447هـ.. روشتة شرعية لاغتنام يوم ميلاد الحبيب ﷺ

يترقب المسلمون ذكرى احتفال المولد النبوي الشريف، وذلك مع دخول ثاني أيام شهر ربيع الأول 1447، وفي شهر ربيع الأول وبالتحديد يوم الخميس 12 من الشهر الهجري تحل ذكرى المولد النبوي، فكيف نحيي الذكرى العطرة بالمنهج النبوي.

موعد المولد النبوي الشريف 2025
يوافق المولد النبوي الشريف 12 شهر ربيع الأول فهو شهر المولد النبوي من كل عام، وبحسب الحسابات الفلكية والشرعية فإن يوم الخميس 4 سبتمبر المقبل هو موعد المولد النبوي لهذا العام، وتبدأ ليلة مولد النبي 2025 من مساء يوم الأربعاء 3 سبتمبر 2025 وحتى غروب شمس يوم الخميس 4 سبتمبر 2025.
كيفية إحياء ذكرى المولد النبوي 1447هـ
يقول الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر: كان لسيدنا رسول الله ﷺ منهجٌ خاص، وبرنامجٌ تربويٌّ كان يطبِّقه بين أصحابه من أجل إقامتهم على القيم الأخلاقية المثالية. وقد اتَّبع فيه النبي ﷺ خيرَ الطرائق وأحسنَها لتحقيق الأهداف، التي ظهرت بشكل جليٍّ في حياة الرسول ﷺ، وبعد انتقاله في عهد خلفائه الراشدين. فقد كان أصحاب النبي ﷺ، ومن تربَّوا على يديه، خيرَ الخلق خُلُقًا، مع أنفسهم ومع الأمم الأخرى، وكانوا نموذجًا للفضيلة والعفَّة والعدالة والصدق والتسامح والمحبة.
ووجود هذا البرنامج التربوي، أو المنهاج الأخلاقي الشامل في الإسلام، أمرٌ بيِّن واضح، تدل عليه شواهد كثيرة من الأحاديث والمواقف النبوية، يصعب حصرها وجلاء أمرها. فقد كانت الأخلاق أساسًا قام عليه هذا الدين، وفيها تمَّ وكَمُل.
وقد كان رسول الله ﷺ في هذه المواقف التربوية مُبلِّغًا ومربِّيًا ووالِدًا وصاحبًا وناصحًا، وكان لكل ذلك أثرٌ غير مباشر في المربَّى، ظهر في حوار النبي ﷺ وإشارته ونظرته وبسمته، فترك في نفوسهم أبلغ الأثر.
لقد دعا الرسول الكريم ﷺ إلى التحلِّي بمكارم الأخلاق والتخلِّي عن رذائلها، وبيَّن أهميتها وفضلها وشرفها في عدد كبير من النصوص والأحاديث. وقد تكررت هذه الدعوة في مواقف متعددة، وجاءت بصيغ مختلفة، واتخذت بُعدين:
- أحدهما عام: بيَّن فيه رسولُ الله ﷺ ضرورةَ الامتثال للأخلاق الكريمة بشكل مباشر فيه تعميم، أتاح للعقل والنفس أن تجتهد في امتثال كل خلق كريم يُتصوَّر وجودُهُ في أي موقف إنساني. كما بيَّن النبي ﷺ أهمية الالتزام الخُلقي في حياة المسلم، المنقطعة في الدنيا والدائمة في الآخرة، وربط محبة الخالق ومحبة رسوله بالالتزام الخُلقي. بل قصر ﷺ بعثته على إتمام مكارم الأخلاق حيث قال: «بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ حُسْنَ الأَخْلَاقِ».
ورغَّب النبي ﷺ في امتثال الأخلاق الكريمة ببيان أهميتها وعظيم ثوابها، فقال: «أَكْمَلُ المؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا». وقال ﷺ: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ أَحْسَنَكُمْ أَخْلَاقًا». ولما سُئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة قال: «تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ».
كما رفع قيمة حسن الخلق فجعل ثوابه عند الله أعظم، فقال ﷺ: «مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ». وجعل حسن الخلق يبلغ بصاحبه درجة العابد الصائم القائم، فقال ﷺ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ».
- وأما البعد الخاص: فقد خصَّص فيه النبي ﷺ لكل قيمة على حدة دعوةً وبيانًا، كالسلام والمحبة والاحترام والتسامح؛ فبيَّن أهميتها وفضلها وكيفية تحصيلها ومستويات الالتزام بها. كما نهى عن قيم سلبية محددة كالاعتداء والكذب والغش.
وقد جاءت دعوته ﷺ للأخلاق بأشكال شتى؛ منها ما كان مباشرًا، ومنها ما كان بالقدوة والممارسة العملية. وهذه الأحاديث والمواقف ترسم صورة واضحة لأساليب التربية النبوية، وتؤكد وجود منهجٍ متكاملٍ للتربية الأخلاقية تعكسه نصوصه ﷺ وأفعاله.
لقد قدَّم النبي ﷺ لهذه الأمة أنموذجًا للخلق البشري الكامل، قال عنه ربه سبحانه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}. فجاء في صورة الكمال الخُلقي، ولم يكن دوره بين أصحابه مقصورًا على إصدار الأوامر ومراقبة التنفيذ، بل عاش بينهم، وشاركهم أعمالهم وهمومهم؛ فشاركهم بناء المسجد، وحفر الخندق، والهجرة إلى المدينة، والجهاد، والصبر على الجوع والآلام. ولم يكن ﷺ يستأثر بشيء دونهم، بل كان يعاني كما يعاني أقلهم، ويؤثرهم على نفسه في كثير من الأحيان.

بين الصيام والاحتفال.. كيف يجمع المسلم؟
رأى بعض الفقهاء أن صيام يوم المولد النبوي مستحب شكرًا لله تعالى، بينما اعتبر آخرون أن الأفضل الإفطار فيه لإظهار الفرح والسرور، على نحو ما يجري في الأعياد. وذهب فريق ثالث إلى أن الجمع بين المعنيين أولى: فمن أراد الصيام فله أجر الشكر، ومن أظهر الفرح بالولائم والاحتفالات فله أجر السرور بقدوم خير الأنام.
ومن ثم فإن يوم مولد النبي 2025 يجمع بين المعنيين: فهو عيد للمسلمين من جهة، وفرصة للصيام والطاعة من جهة أخرى، مما يعكس سعة الشريعة ومرونتها في استيعاب مختلف صور التعبد.