عاجل

أولياء في الخفاء.. العارفة التي عاشت الطريق الصوفي بزيّ الرجال ورحلت في صمت

الحاجة آمال عبد العظيم
الحاجة آمال عبد العظيم

في هدوءٍ لا تصنعه العزلة وحدها، بل يخلقه صفاء القلب، يعيش أهل الله حياتهم بعيدًا عن الأضواء، متخففين من طلب الظهور، مكتفين بشهود الحق في السر قبل العلن. فالولاية الحقة  كما يقول العارفون  لا تعلن نفسها، ولا تبحث عن اعتراف الناس بها، وإنما تسكن الخفاء، وتأنس بالستر، لأن الإخلاص لا يكتمل إلا إذا غاب صاحبه عن أعين الخلق.

الزهد ومجاهدة النفس

وفي فضاء التصوف الرحب، حيث الزهد والتجرد ومجاهدة النفس، تطل علينا سيرة إنسانية وروحية فريدة، لسيدة عُرفت بالصلاح والزهد، واختارت أن تعيش تجربتها الصوفية في منتهى الخفاء، حتى إنها قضت عمرها كله متخفية في زيّ الرجال، لا يلتفت إليها أحد، ولا يُثار حولها سؤال. عاشت بين الناس رجلًا، وتعامل معها الجميع على هذا الأساس، فمرت سنوات حياتها في صمت كامل، لا يشوبه ادعاء ولا تشوبه رغبة في لفت الانتباه.

الشيخة آمال عبد العظيم 

لقد عاشت الحاجة العارفة الشيخة آمال عبد العظيم يحيى الطريق الصوفي بكل ما يحمله من مجاهدة وصبر وصدق، فاختارت الستر مقامًا، والخفاء منهجًا، والتجرد سبيلًا. لم يكن زيّها وسيلة للتميّز، ولا حيلة للغرابة، وإنما تعبيرًا عن رغبة عميقة في الانسحاب من حسابات البشر، والانشغال الكامل بحساب النفس مع ربها. هكذا ذابت في الطريق، وغابت عن العيون، وبقي حضورها الحقيقي في العبادة والذكر والعمل الصالح.

لم يشعر بها أحد، ولم يُدرك المحيطون بها حقيقتها، إذ كانت تمضي في حياتها اليومية ببساطة ووقار، تؤدي ما عليها، وتعيش مع الله في سرّها، حتى جاءها اليقين. وكما عاشت في خفاء، رحلت إلى جوار ربها في خفاء، دون ضجيج أو لافتات، لتجسد نموذجًا نادرًا للإخلاص الخالص، والعفاف الصادق، والصفاء الذي لا تشوبه شائبة رياء.

إن سيرة الشيخة آمال عبد العظيم يحيى تفتح باب التأمل في معنى «أولياء أهل الخفاء»، أولئك الذين يختارهم الله ليكونوا مستورين عن الناس، فلا تُعرف مقاماتهم إلا بعد الرحيل، حين تنكشف بعض الأسرار، لا للفرجة أو الدهشة، بل للعبرة والتذكير. فهي قصة تؤكد أن التصوف ليس مظهرًا ولا خطابًا، بل حياة تُعاش في الصمت، ومقامات تُحمل في القلب، وأن أعظم القرب قد يتحقق بعيدًا عن أعين الخلق.

تلك حكاية من حكايات الطريق، تذكّرنا بأن في الأمة من يعيش لله وحده، ويمضي إليه في سكون، وأن أهل الله قد يكونون بيننا، نراهم ولا نعرفهم، لأنهم اختاروا دائمًا أن يكونوا أهل الخفاء.

تم نسخ الرابط