00 أيام
00 ساعات
00 دقائق
00 ثواني

🎉 افتتاح المتحف الكبير ! 🎉

عاجل

هل الدعاء عند قبور الأولياء شرك أو بدعة.. وهل له أثر في القبول؟

العشماوي ومسجد السيد
العشماوي ومسجد السيد البدوي

هل الدعاء عند قبور الأولياء شرك أو بدعة.. وهل له أثر في قبول الدعاء؟، سؤال أجابه الدكتور محمد إبراهيم العشماوي أستاذ الحديث الشريف وعلومه في جامعة الأزهر الشريف. 

هل الدعاء عند قبور الأولياء شرك أو بدعة؟ 

وقال: نشرنا مقطع فيديو لامرأة إندونيسية فاضلة، من أسرة علمية كريمة، درست في الجامعة الأزهرية، وحازت منها على درجة الماجستير في أصول الفقه، ذكرت فيه أنها لم تنجب لمدة ثلاث سنوات، من وقت إنجابها أنثى لأول مرة، ولم تدر سبب انقطاع الإنجاب، وأن زوجها - وكان يدرس في كلية اللغة العربية في الجامعة الأزهرية - ذهب لزيارة مدينة طنطا، لحاجة عرضت له، أثناء إقامته في مصر للدراسة، فعرف أنها بلد ولي من أولياء الله، يسمى السيد أحمد البدوي، فذهب لزيارته، وهناك دعا الله عز وجل؛ أن يرزقه الولد، ثم عاد إلى إندونيسيا، وبعد عودته بثلاثة أشهر؛ حملت زوجته بذكر! فاستنكر قصار النظر هذا الأمر، وسخروا منه، وعدُّوه شركا - كعادتهم - وها أنا أنقل من النصوص ما يدل على جواز الدعاء عند قبور الصالحين، التماسا للإجابة!

قال الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير، المسمى[مفاتيح الغيب]: "إذا عَرَفْتَ هَذا، فَنَقُولُ: قَوْلُهُ: ﴿هُنالِكَ دَعا زَكَرِيّا رَبَّهُ﴾ إنْ حَمَلْناهُ عَلى المَكانِ فَهو جائِزٌ، أيْ في ذَلِكَ المَكانِ الَّذِي كانَ قاعِدًا فِيهِ عِنْدَ مَرْيَمَ - عَلَيْها السَّلامُ -، وشاهَدَ تِلْكَ الكَراماتِ؛ دَعا رَبَّهُ، وإنْ حَمَلْناهُ عَلى الزَّمانِ؛ فَهو أيْضًا جائِزٌ، يَعْنِي في ذَلِكَ الوَقْتِ؛ دَعا رَبَّهُ".

قلت: فعلى معنى المكان دعا زكريا ربه في المكان المبارك، الذي شاهد فيه ما جرى للسيدة مريم من الكرامات، ففيه تحري الدعاء في الأماكن المباركة، ومنها قبور الصالحين!

وأخرج البخاري في [صحيحه]، (كتاب: الجنائز)، (باب: ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما)، عن عمرو بن ميمون الأودي، قال: "رأيت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: "يا عبد الله بن عمر، اذهب إلى أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - فقل: "يقرأ عمر بن الخطاب عليك السلام"، ثم سَلْهَا أن أُدْفَنَ مع صاحِبَيَّ.

قالت: "كنت أريده لنفسي، فلأوثرنه اليوم على نفسي!".

قال الحافظ ابن حجر في [الفتح]: "وفيه الحرص على مجاورة الصالحين في القبور، طمعا في إصابة الرحمة إذا نزلت عليهم، وفي دعاء من يزورهم من أهل الخير".

ففيه أن الرحمة تنزل على قبور الصالحين، ولا شك أن أماكن تنزل الرحمات؛ مظنة لإجابة الدعوات!

وقد أفرد شيخ الإسلام ابن حجر في كتابه: [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية]؛ بابًا بعنوان: (باب التبرك بآثار الصالحين)، وقبورهم من آثارهم، والدعاء عندها من التبرك!

وأخرج ابن حِبَّان في [صحيحه]، وحسَّنه الضياء المقدسي في [المختارة]، وقال الهيثمي: "رواه أحمد والطبراني في [الكبير] و [الأوسط] بأسانيد، وأحد أسانيد الطبراني رجاله ثقات"، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، قال: "رأيت أسامة بن زيد، عند حجرة عائشة، يدعو، فجاء مروان، فأسمعه كلاما، فقال أسامة: أما إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: "إن الله يبغض الفاحش البذيء!".

فالدعاء عند حجرة عائشة؛ دعاء عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه؛ لأنهم دُفنوا في حجرة عائشة. وروى الإمام مالك في [الموطأ] عن عبد الله بن دينار؛ أن سيدنا عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - كان إذا أراد سفرا، أو قدم من سفر؛ جاء قبر النبي ﷺ، فصلى عليه، ودعا، ثم انصرف!

قال محمد: "هكذا ينبغي أن يفعله؛ إذا قدم المدينة، يأتي قبر النبي ﷺ!". فهذا عبد الله بن عمر، المعدود إمام السلفية الأول؛ يتبرك بالدعاء عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما. 

وروى الحافظ أبو نُعيم، في ترجمة سيدنا طلحة بن عبيد الله، في كتابه [معرفة الصحابة] - وهو موضوع رسالتي للدكتوراه -  قال: "حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا أبو بكر ابن أبي عاصم، قال: "قد رأيت جماعة من أهل العلم والفضل؛ إذا همَّ أحدهم بأمر؛ قصد إلى قبره، فسلم عليه، فدعا بحضرته، فيكاد يعرف الإجابة، وأخبرنا مشايخنا به قديما؛ أنهم رأوا من كان قبلهم يفعله!".

والنص أيضا في كتاب [الآحاد والمثاني] لابن أبي عاصم، وهو صاحب كتاب [السنة]، وهو من أهل القرون الثلاثة الفاضلة، متوفى سنة ٢٨٦، والذي حكاه هذا إنما حكاه عن السلف الصالح، عن من كان قبلهم!

وروى ابن النجار في [الدرة الثمينة في أخبار المدينة] عن عوسجة قال: "كنت أدعو ليلة، إلى زاوية دار عقيل بن أبي طالب التي تلي باب الدار، فمرَّ بي جعفر بن محمد، فقال لي: "أعن أثرٍ وقفتَ هاهنا؟" قلت: "لا"، قال: "هذا موقف النبي ﷺ بالليل؛ إذا جاء يستغفر لأهل البقيع!".

قال ابن النجار: "وداره الموضع الذي دفن فيه!".

وقال ابن فرحون المالكي معلقا على هذه الرواية - كما في [إرشاد السالك إلى أفعال المناسك]- : "واعلم أن الدعاء عند قبر عبد الله بن جعفر؛ من المواضع المشهورة باستجابة الدعاء، وقد جُرِّب ذلك!".

وعن علي بن ميمون قال: سمعت الشافعي، يقول: "إني لأتبرك بأبي حنيفة، وأجيء إلى قبره في كل يوم، يعني زائرا، فإذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين، وجئت إلى قبره، وسألت الله تعالى الحاجة عنده، فما تبعد عني حتى تقضى". والنص في: [تاريخ بغداد] و [الطبقات السنية في تراجم الحنفية]، وغيرهما من المصادر.

وقال الحافظ ابن حجر في [تهذيب التهذيب]: "قال الحاكم في [تاريخ نيسابور]: "سمعت أبا بكر محمد بن المؤمل يقول: "خرجنا مع إمام أهل الحديث، أبي بكر بن خزيمة، مع جماعة من مشايخنا، وهم إذ ذاك متوافرون، إلى زيارة قبر علي بن موسى الرضا، بطوس، قال: "فرأيت من تعظيمه - يعني ابن خزيمة - لتلك البقعة، وتواضعه لها، وتضرعه عندها ما تحيرنا!".

وروى الخطيب البغدادي في [تاريخ بغداد] عن إبراهيم الحربي، أحد أئمة الحديث؛ أنه قال: "قبر معروف - يعني الكرخي - الترياق المجرب!".

وروى أيضًا عن المَحاملي، أحد أئمة الحديث؛ أنه قال: "أعرف قبر معروف الكرخي، منذ سبعين سنة، ما قصده مهموم إلا فرج الله همه!".

وقال الذهبي في [سير أعلام النبلاء] مفسرا معنى (الترياق المجرب): "يريد: إجابة دعاء المضطر عنده؛ لأن البقاع المباركة يستجاب عندها الدعاء".

وقال ابن حِبَّان في [الثقات]، في ترجمة علي بن موسى الرضا: "وقبره بسنا باذ، خارج النوقان، مشهور، يزار، بجنب قبر الرشيد، قد زرته مرارًا كثيرة، وما حلت بي شدة، في وقت مقامي بطوس، فزرت قبر علي بن موسى الرضا - صلوات الله على جده وعليه - ودعوت الله إزالتها عني؛ إلا استجيب لي، وزالت عني تلك الشدة، وهذا شيء جربته مرارًا، فوجدته كذلك".

وفي كتاب [الحكايات المنثورة]، للحافظ الضياء المقدسي الحنبلي، بخطه، وهو مخطوط محفوظ بالمكتبة الظاهرية، تحت رقم (98 مجاميع)؛ أنه سمع الحافظ عبد الغني المقدسي الحنبلي؛ يقول: "إنه خرج في عضده شيء يشبه الدُّمَّل، فأعيته مداواتُه، ثم مسح به قبر أحمد بن حنبل، فبرئ، ولم يعد إليه!".

وقال الإمام ابن الجوزي في كتابه [صيد الخاطر]: "كثر ضجيجي من مرضي، وعجزت عن طب نفسي، فلجأت إلى قبور الصالحين، وتوسلت في صلاحي، فاجتذبني لطف مولاي بي إلى الخلوة على كراهةٍ مني، وردَّ قلبي عليَّ بعد نفور مني، وأراني عيب ما كنت أوثره!".

وقال نور الدين مُلَّا علي القاري، في [مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح]؛ ما نصه: "قال شيخ مشايخنا، علامة العلماء المتبحرين، شمس الدين بن الجزري، في مقدمة شرحه [للمصابيح]: "إني زرت قبره بنيسابور - يعني الإمام مسلم بن الحجاج القشيري - وقرأت بعض [صحيحه]، على سبيل التيمن والتبرك عند قبره، ورأيت آثار البركة، ورجاء الإجابة في تربته!".

وقال الحافظ الذهبي، في ترجمة الإمام أبي الفضل التميمي الهمذاني الحافظ، من كتابه [تذكرة الحفاظ]: “توفي في شعبان سنة أربع وثمانين وثلاث مئة، والدعاء عند قبره مستجاب".

وقال في ترجمة السيدة نفيسة، من كتابه [سير أعلام النبلاء]: "والدعاء مستجاب عند قبرها، بل وعند قبور الأنبياء والصالحين".

وقال الإمام شمس الدين ابن خَلِّكان، في ترجمة محمود بن عماد الدين زَنْكي، الملقب بالملك العادل، من كتابه [وفيات الأعيان]: "وسمعت من جماعة من أهل دمشق يقولون: "إن الدعاء عند قبره مستجاب، ولقد جربتُ ذلك، فصحَّ، رحمه الله تعالى!".

وقال الإمام المقرئ الحاذق شمس الدين ابن الجزري؛ عن قبر الإمام الشاطبي، إمام القراءات - كما في [غاية النهاية في طبقات القراء]: "وقبره مشهور معروف، يُقصد للزيارة، وقد زرته مرات، وعَرض عليَّ بعض أصحابي [الشاطبية] عند قبره، ورأيت بركة الدعاء عند قبره بالإجابة، رحمه الله، ورضي عنه!".

وقال الحافظ ابن حجر في [الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة]، في ترجمة عبد الله المنوفي (ت749): "اشتهر بالديانة والصلاح والعبادة والزهادة، وحكيت عنه الكرامات الكثيرة ... وحلَّ [ابن الحاجب] - يعني: [مختصر ابن الحاجب] - مرارا، قبل أن يظهر له شرح، وكان يُفتح عليه فيه؛ بما لم يُفتح لغيره، وكان إذا تكلم يخرج من فيه نور ... وقبره مشهور، يُتبرك بزيارته!".

وشدد: هذه نصوص يسيرة؛ من نصوص كثيرة، ذكرتها اختصارا، وفيها تحري الدعاء عند قبور الصالحين، رجاء الإجابة، وهؤلاء هم السلف الصالح، فالحكم بأن الدعاء عندها شرك أو ذريعة إلى الشرك أو بدعة؛ هو اتهام لهؤلاء السلف الكرام، والأئمة الأعلام في دينهم، ولو قال المنكِر: "إن المسألة خلافية، أو لا أستسيغ فعل ذلك"؛ لهان الأمر، أما الحكم بالشرك أو بالبدعة؛ فهو شأن الجاهلين المتهورين. 

تم نسخ الرابط