تيقن أنه ميت لا محالة.. هل تقبل توبة العاصي في أواخر حياته؟

يتساءل البعض عن حكم توبة العاصي في أواخر أيامه من الدنيا هل تكون مقبولة؟، وهو سؤال نوضح جوابه من خلال ما ذكره أ.د / محمد سعيد الرملاوي أستاذ القانون العام بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر.
توبة اليائس بين القبول والرَّدِّ
وقال «الرملاوي» في بيان حكم توبة العاصي في أواخر أيامه من الدنيا : عند جمهور الفقهاء: إذا أخر العاصي توبته إلى أواخر حياته، وكانت نفسه لا تزال متعلقة بالحياة، غير جازمة بقرب أجله، فإن توبته تُعد مقبولة، حتى وإن كان المرض شديدًا أو الموت قريبًا، ما دام لم يتيقن أنه ميت لا محالة.
واستدلوا بقوله - تعالى -: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ﴾ . وقول النبي ﷺ: " إن الله يقبل توبة العبد ما لم يُغرغر" .
وتابع: أما إن بلغ الإنسان حالة اليأس من الحياة، وشاهد دلائل الموت، كبلوغ الروح الحلقوم، وقطع أمله من البقاء، أي بلغ اليأس، فهنا وقع الخلاف بين الفقهاء في قبول توبته:
الرأي الأول: لبعض الحنفية والمالكية والشافعية في قول والحنبلية في وجه، وهو المنسوب للأشاعرة: عدم قبول توبة اليائس.
واستدلوا لرايهم بقول الله - تعالى - ﴿ وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تَبْتُ الآنَ ﴾. قالوا: الآية تتحدث عن المسلمين الذين ارتكبوا المعاصي وأجَّلوا التوبة حتى أدركهم الموت، فهي تدل على أن توبة من بلغ حالة الغرغرة واليأس لا تُقبل، وذلك لأن الله - تعالى - قرن بينهم وبين الكافرين في الآية التالية، وهي: ﴿ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ﴾ .
كما استدلوا بقول النبي ﷺ: " إن الله يقبل التوبة ما لم يُغرغر"، أي: ما دامت الروح لم تبلغ الحلقوم، وهي لحظة اليأس الحقيقي.
الرأي الثاني: لبعض الحنفية والحنبلية في وجه، وهو المنسوب للماتريدية قبول التوبة ولو في حال الغرغرة للمؤمن العاصي لا للكافر.
وفَصّلوا بين: إيمان الكافر: لا يُقبل إذا حصل بعد اليأس ومعاينة الموت.
وتوبة العاصي المؤمن: تُقبل حتى لو كانت في لحظة الغرغرة.
وشدد على أن وجه الفرق: أن الكافر يكون في بداية طريق الإيمان والمعرفة بالله، أما العاصي فمعترف بالله، مؤمن به، لكنه مذنب، والرجوع عن الذنب أسهل من الدخول في الإيمان من أصله، ولعموم قوله - تعالى - : ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ ﴾ . فلم يُقيّد وقتًا معينًا للتوبة، مما يدل على سَعة رحمة الله بعباده المؤمنين.