حكم إرسال اليدين في الصلاة.. هل يعد مخالفا للسنة؟| الإفتاء توضح

قالت دار الإفتاء المصرية إنه لا حرج شرعًا في إرسال اليدين في الصلاة، وأنَّ ذلك من السُّنَّةِ، وهو من آخر ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في العمل، وقد سار على ذلك أهل المدينة وهو المعتمد عند المالكية ومن وافقهم، ولا صحة للقول بأنَّ هذا مخالف للسُّنَّة.
حكم إرسال اليدين في الصلاة
وأكدت الإفتاء أن أفعال الصلاة ليست على صفةٍ واحدةٍ؛ فمنها الفرائض أو الأركان، ومنها السنن أو المندوبات، ومنها الفضائل والتي يُعبر عنها أيضًا بالهيئات؛ أما الفروض: فهي التي إذا ما تُرِكَتْ عمدًا أو سهوًا لم يَنُبْ عنها سجود سهو ولا غيره من سنن الصلاة، وأما السنن: فهي المستحبات التي تُجبر بسجود السهو، وتسمى أيضًا (أبعاضًا)، وأما الفضائل أو الهيئات: فهي المستحبات التي لا يلزم فيها سجود السهو، فمن ترك أو نسي شيئًا من ذلك فلا شيء عليه.
ومن جملة الهيئات: الصفة التي تكون عليها اليدان حال القيام للقراءة أو سماع الإمام، وقد اختلف الفقهاء في حكمها وكيفيتها؛ فذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن صفة اليدين حال القيام للقراءة أو سماع الإمام القبض، بمعنى وضع اليمنى على اليسرى، على اختلافٍ وتفصيلٍ بينهم في موضعها؛ فوق الصدر أو تحته، قبض اليمنى على اليسرى، أو مجرد الوضع ونحو ذلك.
مذهب المالكية في حكم إرسال اليدين في الصلاة
بينما ذهب المالكية إلى أن الحكم في صفة اليدين حال القيام على أربعة أقوال:
أولها: أن الصفة هي الإرسال أو السدل وكراهة القبض في الفريضة، وإجازته في النفل عند التطويل؛ وهو المعتمد في المذهب، على اختلافٍ وتفصيل في تعليل ذلك القول؛ هل الكراهة لعدم الاعتماد، أو لمخافة اعتقاد وجوبه مِن العوام، أو للخشية مِن الظهور بمظهر الخشوع منعًا للرياء؟
ثانيها: أنه يمنع القبض في الفريضة والنافلة؛ وهو مذهب العراقيين.
وثالثها: يجوز القبض في الاثنين؛ وهو الموافق للجمهور.
ورابعها: أنه يكره في الفرض، ويجوز في النفل طوَّل أم لا. جاء في "المدونة" : [وقال مالك: في وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة، قال: لا أعرف ذلك في الفريضة، وكان يكرهه، ولكن في النوافل إذا طال القيام فلا بأس بذلك، يعين به نفسه]
حكم إرسال اليدين في الصلاة عند الشافعية
ذهب الشافعية إلى جواز إرسال اليدين في الصلاة وعدم كراهة ذلك ما لم يعبث بهما؛ قال الإمام الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" : [قال الإمام: والقصد من القبض المذكور تسكين اليدين، فإن أرسلهما ولم يعبث بهما فلا بأس؛ كما نص عليه في "الأم"].
حكم إرسال اليدين في الصلاة عند الحنابلة
كما ذهب الإمام أحمد -في رواية- إلى جواز الإرسال مطلقًا، وفي رواية أخرى عنه: جواز الإرسال في النفل دون الفريضة.
قال الإمام المرداوي في "الإنصاف" : [قوله: (ويجعلهما تحت سرته) هذا المذهب، وعليه جماهير الأصحاب، وعنه: يجعلهما تحت صدره، وعنه: يُخَيَّر، اختاره صاحب "الإرشاد"، و"المحرر"، وعنه: يرسلهما مطلقًا إلى جانبيه، وعنه: يرسلهما في النفل دون الفرض. زاد في "الرعاية" في الرواية: الجنازة مع النفل، ونقل عن الخلال: أنه أرسل يديه في صلاة الجنازة] اهـ.
كما أنَّ السدل في الصلاة هو قول الإمام الليث بن سعد؛ قال الإمام ابن عبد البر في "الاستذكار" : [أما أقاويل الفقهاء في هذا الباب: فذهب مالك في روايةِ ابن القاسم عنده إلى إرسال اليدين في الصلاة، وهو قول الليث بن سعد.. قال الليث: سدل اليدين في الصلاة أحب إليَّ إلَّا أن يطول القيام، فلا بأس أن يضع اليمنى على اليسرى] .
كيفية التعامل مع المسائل الخلافية
هذه المسألة من الخلافيات التي تندرج تحت المباح، وأعلى درجاتها دائرة على الاستحباب؛ قال الإمام ابن عبد البر في "الاستذكار" (1/ 485): [والذي أقول به -وبالله التوفيق-: إن الاختلاف في التشهد، وفي الأذان والإقامة، وعدد التكبير على الجنائز وما يقرأ ويدعى به فيها، وعدد التكبير في العيدين، ورفع الأيدي في ركوع الصلاة، وفي التكبير على الجنائز، وفي السلام من الصلاة واحدة أو اثنتين، وفي وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة، وسدل اليدين، وفي القنوت وتركه، وما كان مثل هذا كله -اختلاف في مباح؛ كالوضوء واحدة واثنتين وثلاثًا] اهـ.
وممَّا ينبغي التنبيه عليه ألَّا يجعل المسلمون من المسائل الخلافية مثارَ فُرقةٍ وخلافٍ بينهم، حتى لا يقعوا في الفرقة المحظورة شرعًا؛ فمن المقرر شرعًا أنه إنما ينكر المتفق عليه ولا ينكر المختلف فيه، والصواب في ذلك تَركُ الناسِ على سَجاياهم: فمن شاء قبض، ومن شاء أرسل، وكلٌّ على صوابٍ.