عاجل

فضل صلاة الجماعة في المسجد عن غيره.. دار الإفتاء توضح

صلاة الجماعة
صلاة الجماعة

ورد سؤال إلى دار الإفتاء حول فضل صلاة الجماعة في المسجد عن غيره من الأماكن الأخرى إذ يقول صاحب السؤال: “رجلٌ مغترب يقيم مع رفقائه، وقد اعتادوا على أداء الصلاة المفروضة في المسجد، إلا أنَّهم في بعض الأحيان يصلونها معًا في المسكن، ويسأل أحدهم: هل ننال بذلك أجر صلاة الجماعة، وهل هناك أفضلية بين أداء الجماعة في المسجد وبين أدائها في غيره من الأماكن؟”.

حكم صلاة الجماعة في المنزل

قالت دار الإفتاء في ردها على السؤال إن أداء الرجل المذكور بعضَ الصلوات المفروضة مع رفقائه في المَسكَن الذي يقيمون فيه هو أمرٌ تتحقق به صلاة الجماعة، وينالون بذلك أجرَها، ويحصلون عظيم ثوابها، إلا أن المستحب والأكمل ثوابًا والأتم أجرًا في حقهم أن تكون في المسجد؛ لِمَا في ذلك من مزيد خصوصية وفضائل زائدة مستقلة عن فضل ثواب الجماعة وحدها، والتي منها: إظهار شعيرة الجماعة بإقامتها في المسجد وإعماره، وبركةِ المكانِ وعلُوِّ شرفهِ، فضلًا عن أجرِ الخطوات إليه ذهابًا وإيابًا، والمكث فيه، وانتظار الصلاة، وصلاة الملائكة واستغفارهم للمصلي، وكثرة أعداد المصلين، وما كان أكثر فهو أحبُّ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وأقربُ إليه؛ فإن كان المصلي معذورًا في تركها لمرض ونحوه فإنه يحصل له ثوابها كاملًا ما دام معتادًا ومحافظًا على أدائها في المسجد حال السعة والاختيار.

فضل صلاة الجماعة في المسجد

وأشارت دار الإفتاء إلى أنه قد تقرر بأن الجماعة تنعقدُ صحيحةً وينال فضلها باجتماع واحد مع الإمام في مسجدٍ أو غيره، إلا أن أداءها في المسجد أتم وأكمل، وأكثر مثوبةً وأجرًا من أدائها في غيره من الأماكن في حق الرجال، وذلك لما فيه -أي المسجد- من مزيد خصوصية وفضائل مستقلة زائدة عن فضل الجماعة تزيد في الأجر وترفع من منزلة العبد عند ربه، ومن تلك الفضائل:

أولًا: بركة المسجد، وعلو شرفه، وكونه أحب البقاع إلى الله عز وجل، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ۝ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾ [النور: 36-37].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا» أخرجه الإمام مسلم، وذلك "لأنها بيوت خُصت بالذكر، وبُقَعٌ أُسست للتقوى والعمل الصالح"، كما قال القاضي عِيَاض في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" .

ثانيًا: إعمار بيوت الرحمن في الأرض بإقامة الصلوات وذكر الله عزَّ وجل بها، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾ [التوبة: 18]، و"عمارة المساجد تكون بلزومها وكثرة إتيانها، يقال: فلانٌ يَعْمرُ مجلسَ فلانٍ إذا كثر إتيانه إياه"، كما في "مفاتيح الغيب" للإمام فخر الدين الرَّازِي .

وهي من دلالات صدق إيمان العبد بربه وحُسن الظن به، قال الإمام القُرْطُبِي في "الجامع لأحكام القرآن" : [قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ﴾ دليل على أن الشهادة لعمار المساجد بالإيمان صحيحة؛ لأن الله سبحانه رَبَطَهُ بها، وأخبر عنه بملازمتها، وقد قال بعض السلف: إذا رأيتم الرجل يَعمُر المسجد فحَسِّنوا به الظن] اهـ.

وعن أبي سعيد الخُدْرِي رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسَاجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾» الْآيَةَ. أخرجه الأئمة: أحمد وابن ماجه والحاكم، وفي لفظ: «يَتَعَاهَدُ المَسْجِدَ» أخرجه الإمام الترمذي، وفي لفظٍ ثالثٍ: «إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَلْزَمُ الْمَسْجِدَ فَلَا تَحَرَّجُوا أَنْ تَشْهَدُوا أَنَّهُ مُؤْمِنٌ» أخرجه الإمام الحاكم، وقال عَقِبَهُ: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه".

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: إِنَّ بُيُوتِي فِي الْأَرْضِ الْمَسَاجِدُ، وَإِنَّ زُوَّارِي فِيهَا عُمَّارُهَا، فَطُوبَى لِعَبْدٍ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ زَارَنِي فِي بَيْتِي، فَحَقٌّ عَلَى الْمَزُورِ أَنْ يُكْرِمَ زَائِرَهُ» أخرجه الإمامان: أبو داود في "الزهد"، والواقدي في "فتوح الشام" واللفظ له.

وأخرجه الإمام الطبراني مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ، إِلَّا كَانَ زَائِرَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَحَقٌّ عَلَى الْمَزُورِ أَنْ يُكْرِمَ زَائِرَهُ».

ثالثًا: إظهار شعيرة الجماعة وتحقيق مقصودها من الاجتماع لذكر الله وإقامة الصلاة وقراءة القرآن، في مكانٍ يسهل اجتماع الناس به، وتقوية الصلة الإيمانية بين المصلين، وتواصلهم، وتفقُّدِ بعضِهم حال بعض.

قال الإمام شمس الدين الخطيب الشِّرْبِينِي في "مغني المحتاج" : [(و) الجماعة.. في المسجد أفضل؛ لأن المسجد مشتمل على الشرفِ، والطهارةِ، وإظهار الشعائرِ، وكثرة الجماعةِ] .

وقال الإمام نور الدين بن علي الشَّبْرَامَلِّسِي في "حاشيته على نهاية المحتاج" : [المقصود من الجماعة حثُّ أهل البلد على التعارف بإقامتها، وبحث بعضهم عن أحوال بعض بالاجتماع في أوقات الصلوات، وتسهيل الجماعة على طالبيها] .

رابعًا: كثرة الخُطا إلى المساجد، وصلاة الملائكة عليه واستغفارهم للمصلي ما دام في انتظار الصلاة وعَقِبَ الفراغ منها.

فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «صَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا المَكْتُوبَةَ» متفق عليه.

تم نسخ الرابط