عاجل

ما مدى جواز الخلوة الشرعية بين المسجون وزوجته أو العكس؟

الإفتاء
الإفتاء

لا يوجد في الشريعة ما يمنع من اجتماع الزوج بزوجته في حال السجن أو العكس؛ إذ إنَّ الإسلام قد اعتنى بحاجات الإنسان الجسدية والنفسية، حتى جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا الأمر من القُربات التي يؤجر المسلم عليها، حيث قال: «وفي بُضع أحدكم صدقة» رواه مسلم.

حكم الخلوة الشرعية للمسجون

ولا يجوز أن يُحرم الرجل من زوجته باعتبار ذلك نوعًا من العقوبة التعزيرية؛ لأن العقوبة حينها لا تقتصر عليه فقط، بل تمتد إلى زوجته التي لا ذنب لها، والشريعة قررت أن العقوبة شخصية لا تتعدى صاحب الجريمة. ويبقى تنظيم هذه المسألة موكولًا إلى جهة الإدارة لتقدير ما تراه مناسبًا.

أما عن المدة التي يُعد فيها بُعد الزوج مسوغًا لطلب الزوجة الطلاق للضرر، فهي سنة فأكثر وفقًا لما هو معمول به في المحاكم المصرية.

سبق أن عُرض هذا السؤال على دار الإفتاء المصرية، فجاءت الفتوى على النحو الآتي:

إنَّ الشريعة الإسلامية راعت تلبية الحاجات المادية والروحية للإنسان حفاظًا على توازنه وأمن المجتمع واستقراره، وهذا من أبرز دلائل الوسطية في الإسلام. كما أن مبدأ شخصية العقوبة أصلٌ مقرَّر في الدين، فلا يُعاقَب أحد بجريرة غيره مهما كانت صلته به، قال تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [فاطر: 18]، وقال سبحانه: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [فصلت: 46].

وقد جعل الشرع لكلٍّ من الزوجين حقوقًا متبادلة، ومن أعظمها حق المعاشرة الزوجية. فجمهور الفقهاء يرون أن من واجب الزوج إتيان زوجته مرةً في كل طُهر أو شهر على الأقل ما لم يكن هناك عذر يمنعه؛ استنادًا لقوله تعالى: ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: 222]. وذهب الإمام الشافعي إلى أن الأمر من باب الحقوق العامة غير الواجبة في أوقات محددة، بينما قدَّر الإمام أحمد بن حنبل الحد الأقصى بأربعة أشهر قياسًا على مدة الإيلاء المذكورة في قوله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ…﴾ [البقرة: 226].

أما في حال السفر، فقد ذهب الإمام أحمد إلى أن غياب الزوج لا ينبغي أن يزيد عن ستة أشهر إذا لم يكن هناك مانع من رجوعه، فإن امتنع عن العودة وعجزت الزوجة عن الذهاب إليه، كان من حقها رفع الأمر إلى الحاكم للفرقة بينهما، مستندًا في ذلك إلى ما رُوي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين استشار ابنته حفصة رضي الله عنها فقالت: تصبر المرأة خمسة أو ستة أشهر، فحدد للجنود في غزواتهم هذه المدة.

وقد أكد الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين أن الأصل أن يأتي الزوج زوجته مرة كل أربع ليالٍ، مراعاةً للعدل، على أن يقدَّم أو يؤخر بحسب حاجتها، لأن في ذلك تحصينًا لها وهو واجب شرعًا. ولأهمية هذا الحق عدَّه النبي صلى الله عليه وآله وسلم صدقة يؤجر المسلم عليها، فقال: «وفي بُضع أحدكم صدقة» رواه مسلم.

وبناءً على ما سبق، فإنه لا حرج شرعًا في اجتماع الزوج بالزوجة حال وجود أحدهما في السجن لممارسة حقوقهما الخاصة؛ لأن العقوبة في الإسلام شخصية لا تتعدى صاحبها. أما بخصوص مدة البعد التي تتيح للزوجة طلب الطلاق عند الضرر، فقد استقر العمل في المحاكم المصرية على أنها سنة أو أكثر. كما أن حرمان الرجل من زوجته على سبيل التعزير لا أصل له في الشريعة، إذ لم يذكره الفقهاء ضمن صور التعزير، وإنما يبقى تنظيم هذه المسألة موكولًا إلى جهة الإدارة بما تراه مناسبًا للمصلحة العامة.

تم نسخ الرابط