أخفوا عني مرض زوجتي النفسي.. هل يجوز الامتناع عن دفع مؤخر الصداق حال الطلاق؟

أهل زوجتي أخفوا عني مرضها النفسي.. هل يجوز الامتناع عن دفع مؤخر الصداق حال الطلاق؟، سؤال نوضح جوابه في السطور التالية.
أهل يجوز الامتناع عن دفع مؤخر الصداق حال الطلاق؟
يُعَدُّ مؤخر الصداق أحد الحقوق الشرعية الثابتة للزوجة في عقد الزواج، وقد أقره الإسلام تكريمًا لها وضمانًا لحقوقها المادية والمعنوية. فالصداق في الشريعة الإسلامية ليس مجرد عُرف اجتماعي، بل هو التزام شرعي على الزوج، يرمز إلى جدية العقد وميثاقه الغليظ، ويُعبر عن تكريم المرأة وإشعارها بمكانتها.
وقد جرى العُرف أن يُقسَّم المهر إلى شقين: مقدم يُدفع عند العقد، ومؤخر يُستحق عند الطلاق أو الوفاة، وهو بمثابة دين ثابت في ذمة الزوج، لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء. ومن حكمة تشريعه أنه يُمثل ضمانة للزوجة في حال فُرقة أو انتهاء الحياة الزوجية، فيبقى المؤخر صيانةً لحقوقها وحفظًا لكرامتها.
وقد شددت دار الإفتاء المصرية مرارًا على أن مؤخر الصداق حق خالص للزوجة، لا يجوز التلاعب به أو الانتقاص منه تحت أي ظرف، وأن الامتناع عن سداده يُعَدُّ ظلمًا بيّنًا، يتنافى مع مقاصد الشريعة التي أمرت بحسن العشرة ورد الحقوق إلى أصحابها.
أكدت دار الإفتاء المصرية أن مؤخر الصداق حق خالص للزوجة، ولا يجوز للزوج الامتناع عن دفعه أو الانتقاص منه بحجة أن الزوجة كانت تعاني من مرض نفسي لم يُخبر به قبل الزواج. وأوضحت الدار أن المهر في الشريعة الإسلامية دينٌ في ذمة الزوج، يستحق كاملًا بالدخول أو الخلوة الصحيحة، ويحل المؤجل منه بالطلاق أو الوفاة، ولا يسقط إلا بالأداء أو بالإبراء.
وأشارت دار الإفتاء إلى أن الزواج في أصله قائم على المودة والرحمة، كما وصفه القرآن الكريم بأنه آية من آيات الله: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: 21]. فالأصل في العلاقة الزوجية هو التكامل والتراحم والتسامح، غير أن الحياة قد تعتريها ظروف طارئة، ومنها إصابة أحد الزوجين بمرض، وهو ما قد يسبب ضغوطًا على الطرف الآخر.
وبيّنت الدار أن الشرع الشريف دعا الزوجين إلى الصبر والتعاون عند مواجهة مثل هذه الظروف، بل وحثّ على رعاية المريض والإحسان إليه، ووعد من يقوم بذلك بالثواب الجزيل. غير أن الإسلام أيضًا لا يكلّف نفسًا إلا وسعها، فإذا ضاق على الزوج الأمر ولم يستطع الاستمرار في الحياة الزوجية بسبب مرض زوجته، جاز له أن يطلّقها، لكن بشرط أن يتم ذلك بإحسان ومن غير ظلم أو انتقاص من حقوقها الشرعية.
مؤخر الصداق لا علاقة له بمرض الزوجة
وشددت دار الإفتاء على أن مؤخر الصداق لا علاقة له بمرض الزوجة، سواء أكان المرض سابقًا على الزواج أو طارئًا بعده، وسواء علم به الزوج أو لم يعلم. واستشهدت الدار بقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أيما رجل تزوج امرأة، وبها جنون أو جذام أو برص، فمسها، فلها صداقها"، وهو ما رواه الإمام مالك في "الموطأ".
كما أكدت المصادر الفقهية في المذاهب الأربعة أن المهر بعد الدخول أو الخلوة الصحيحة يتقرر كاملًا ولا يسقط بحال، حتى لو كان الفُرقة من جانب الزوجة، لأنه حق مالي ثابت لها بالعقد والدخول، لا يُرفع إلا برضاها أو بإبرائها منه.
واختتمت دار الإفتاء تقريرها بالتأكيد على أن الزوج مأجور على صبره ورعايته لزوجته المريضة، فإن لم يستطع الصبر فله حق الطلاق، لكن لا يباح له بحال أن يمتنع عن دفع مؤخر الصداق أو أن يُنقص منه، لأنه شُرع لتكريم المرأة وتعظيم عقد الزواج، لا لمجرد استيفاء الحقوق الزوجية.