مساجد لها تاريخ|مسجد محمد علي بالقلعة.. تحفة معامرية خالدة في قلب القاهرة

يعد مسجد محمد علي باشا، المعروف أيضًا باسم مسجد المرمر أو الألبستر، أحد أبرز معالم القاهرة الإسلامية، وواحدًا من أعظم الشواهد المعمارية التي تركها محمد علي باشا الكبير (مؤسس مصر الحديثة) خلال فترة حكمه.
و يقع المسجد داخل أسوار قلعة صلاح الدين الأيوبي بالقاهرة، وقد بدأ تشييده عام 1830م، ليصبح لاحقًا تحفة معمارية تزين العاصمة وتُجسد روح العمارة العثمانية.
موقع استراتيجي يعلو القاهرة
اختار محمد علي أن يبني مسجده داخل قلعة صلاح الدين، تلك القلعة الحصينة التي تعود إلى القرن الثاني عشر الميلادي، والتي كانت على مدى قرون مركزًا للحكم والإدارة. من موقعه المرتفع، يطل المسجد على معظم أحياء القاهرة، ليبدو مهيبًا من بعيد بقبابه الضخمة ومآذنه الشامخة، وكأنه يربط بين السماء والأرض.
تاريخ البناء وظروف التشييد
بدأت أعمال البناء عام 1830م، واستمرت حتى وفاة محمد علي عام 1848م، ولم يُستكمل بناؤه إلا في عهد خلفائه. أراد الباشا أن يكون المسجد معبرًا عن قوة دولته وخلود ذكراه، فجاء تصميمه فخمًا وواسعًا، ليضم بين جدرانه أيضًا ضريحه الخاص. ويُذكر أن المسجد شهد عدة ترميمات لاحقة، أبرزها في القرن العشرين لحمايته من التآكل بفعل الزمن والتلوث.
الطراز العثماني المستوحى من إسطنبول
ينتمي المسجد إلى الطراز العثماني الكلاسيكي، حيث استلهم محمد علي تصميمه من جامع السلطان أحمد (الجامع الأزرق) في إسطنبول. يظهر ذلك جليًا في القباب المتعددة والواسعة، والمآذن الرفيعة الشاهقة ذات القمم المدببة، وهو أسلوب معماري كان يعكس آنذاك قوة الدولة العثمانية ورمزيتها الدينية والسياسية.
جدران الألباستر واللمسات الفنية
من أبرز ما يميز المسجد أنه مُغطى بالكامل بحجر الألباستر (المرمر)، وهو ما منحه اسمه الشهير مسجد المرمر. أضفى هذا الحجر على الجدران الداخلية والخارجية بريقًا خاصًا، وجعل المسجد يبدو وكأنه قطعة فنية من الرخام المصقول. كما تنتشر في أرجائه الزخارف العثمانية، والخطوط العربية المذهبة، والنقوش الهندسية التي تُضفي على المكان روحًا من السكينة والبهاء.
عناصر معمارية مبهرة
المآذن: يبلغ ارتفاع المئذنتين الرئيسيتين 84 مترًا، وهما الأطول في مصر، وتُعدان من أبرز معالم المسجد، حيث تتجه أنظارهما الحادة إلى السماء.
القبة الرئيسية: ضخمة وبارزة، تدعمها أربعة أعمدة كبرى، وتحيط بها أربع أنصاف قباب، مما يخلق تناغمًا بصريًا يميز العمارة العثمانية.
الصحن: فسيح ويحتوي على نافورة للوضوء تتوسطه، محمولة على أعمدة رخامية أنيقة، تُضفي لمسة جمالية وروحانية.
برج الساعة: في الجهة الغربية يوجد برج ساعة نحاسية أهداها لويس فيليب ملك فرنسا لمحمد علي عام 1845م، في مقابل المسلة المصرية التي نُقلت إلى باريس وتزين اليوم ساحة الكونكورد.
ضريح محمد علي باشا
يقع ضريح محمد علي في الركن الجنوبي الشرقي من المسجد، وهو عبارة عن مقصورة رخامية فخمة مزخرفة بالنحاس المذهب. اختار الباشا أن يُدفن داخل مسجده ليظل شاهدًا على حكمه ومشاريعه الإصلاحية الكبرى. واليوم يقف الضريح كأحد أبرز المزارات داخل المسجد، يجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم.
أيقونة سياحية وروحية
لم يعد المسجد مجرد مكان للعبادة، بل صار مزارًا سياحيًا عالميًا، يأتي إليه الآلاف من السائحين سنويًا لاكتشاف جماليات العمارة الإسلامية، والتأمل في تاريخه العريق. وبفضل موقعه في قلب القلعة، يجمع المسجد بين التاريخ العسكري والسياسي والديني لمصر.
قيمة حضارية لا تزول
يمثل مسجد محمد علي اليوم رمزًا لمصر الحديثة، ودليلًا على التمازج بين الفن العثماني والهوية المصرية. وعلى الرغم من مرور ما يقرب من قرنين على بنائه، ما زال المسجد محتفظًا برونقه، يقف شامخًا فوق القاهرة، شاهداً على عصرٍ طموح أراد فيه محمد علي أن يخلّد اسمه بأثر معماري خالد