ساعة لا يرد فيها الدعا| ما وقت ساعة استجابة الجمعة … وكيف نغتنمها؟

يوم الجمعة ليس كباقي الأيام، فهو عيدٌ أسبوعي للمسلمين، وموسم تتنزل فيه الرحمات وتُضاعف فيه الحسنات، وقد خصّه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بفضائل عديدة، من أبرزها وجود ساعة مباركة لا يُرد فيها الدعاء ولا يُخيّب فيها الرجاء. هذه الساعة أخفاها الله لحكمة، فجاءت الأحاديث النبوية لتؤكد وجودها، لكن مع اختلاف في تحديد وقتها، مما فتح باب الاجتهاد واسعًا أمام العلماء. فهل هي ساعة ما بين جلوس الإمام على المنبر وانقضاء الصلاة؟ أم أنها آخر ساعة بعد العصر إلى غروب الشمس؟ وفي هذا السياق أوضحت دار الإفتاء أنه من المستحب أن يحرص المسلم على الإكثار من الدعاء في يوم الجمعة كله لينال عظيم الثواب، إذ إن مسألة تحديد ساعة الإجابة فيه محل خلاف بين العلماء. وحتى من رجّح منهم وقتًا بعينه لم ينكر سائر الأقوال أو يُخطّئها، لأن التمسك بوقت محدد والجزم بأنه وحده وقت الاستجابة مع نفي غيره لا يُعد صوابًا، بل الأَوْلى أن يُجتهد المسلم بالدعاء في مختلف أوقات هذا اليوم المبارك رجاء إدراك تلك الساعة
الأدلة الواردة في السنة النبوية
وردت أحاديث نبوية كثيرة تؤكد أن في يوم الجمعة ساعة مباركة لا يُرد فيها الدعاء، إلا أن هذه الأحاديث اختلفت ألفاظها وتعددت دلالاتها، مما جعل العلماء يتباينون في تحديد هذه الساعة.
فقد جاء في “صحيح مسلم” من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً، لَا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللهَ فِيهَا خَيْرًا، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ»، وفي بعض الروايات أنها ساعة خفيفة. كما روى مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال عن هذه الساعة: «هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ».
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً، لَا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللهَ فِيهَا خَيْرًا، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ». كما جاء في سنن الترمذي عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «التَمِسُوا السَّاعَةَ الَّتِي تُرْجَى فِي يَوْمِ الجُمُعَةِ بَعْدَ العَصْرِ إِلَى غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ».
وفي “سنن أبي داود” والنسائي والحاكم عن جابر رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «يَوْمُ الْجُمُعَةِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً، فِيهَا سَاعَةٌ لَا يُوجَدُ عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللهَ شَيْئًا إِلَّا آتَاهُ إِيَّاهُ، فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ». كما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «إِنَّ فِي الجُمُعَةِ سَاعَةً لاَ يَسْأَلُ اللهَ العَبْدُ فِيهَا شَيْئًا إِلَّا آتَاهُ الله إِيَّاه»، ولما سُئل عنها قال: «حِينَ تُقَامُ الصَّلَاةُ إِلَى انْصِرَافٍ مِنْهَا».
وقد وصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه الساعة بأنها قصيرة ودقيقة، كما في حديث أنس رضي الله عنه عند الطبراني، إذ أشار بيده مبينًا أنها بقدر قبضة، مما يدل على أنها وقت لطيف لا يُدركه إلا من وُفِّق.
وبالنظر إلى أقوال العلماء، فقد أوصل الحافظ ابن حجر في فتح الباري الأقوال في تحديد هذه الساعة إلى ثلاثة وأربعين قولًا، لكنه رجَّح أن أقواها قولان: الأول أنها ما بين جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة، والثاني أنها ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس. وقال الإمام أحمد: إن أكثر الأحاديث تشير إلى أنها بعد العصر، مع احتمال رجائها أيضًا بعد الزوال.
ومن الحكمة في إخفاء هذا التحديد –كما قال العلماء– تحفيز المسلمين على الإكثار من الدعاء في يوم الجمعة كله، كما هو الحال مع إخفاء ليلة القدر في رمضان، حتى لا يقتصر الناس على وقت واحد ويهملوا غيره