ما حكم تعليم المرأة علم القراءات القرآنية للرجال .. وهل هناك ضوابط لذلك؟

هل يجوز للمرأة أن تُعلم الرجال علوم الدين، لا سيما علم القراءات القرآنية؟ سؤال أجابت عنه دار الإفتاء وأوضحت أنه لا يوجد مانع شرعي من أن تُعلِّم المرأة الرجال؛ فقد كانت زوجات النبي ﷺ يبلِّغن أحكام الدين وينشرن العلم، وتزخر كتب السنة بالكثير من الروايات المروية عنهن رضي الله عنهن. كما برزت بعدهن عبر طبقات التاريخ الإسلامي نساء حملن العلم ونقلنه، حتى أحصى الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه الإصابة في تمييز الصحابة ما يقارب ألفًا وخمسمائة وثلاثًا وأربعين (1543) امرأة، منهن فقيهات، ومحدِّثات، وأديبات تركن أثرًا بارزًا في ساحة المعرفة.
التعليم بين الجنسين
إن تعلُّم الرجال على يد المرأة، وتعلُّم النساء على يد الرجل أمر لا حرج فيه شرعًا؛ إذ جرى عمل المسلمين قديمًا وحديثًا على أن وجود النساء مع الرجال في مكان واحد ليس محظورًا في ذاته، وإنما المنع يكون عند وقوع ما يخالف أحكام الشرع؛ كإظهار المرأة ما لا يجوز لها كشفه، أو اجتماعهم على منكر، أو وجود خلوة محرمة.
ضابط الاختلاط المحرم
أوضح أهل العلم أن الاختلاط الممنوع شرعًا هو ما كان فيه تلاصق أو تلامس مباشر، أما مجرد اجتماع الرجال والنساء في موضع واحد فليس محرمًا. وقد جاءت السنة الشريفة شاهدة بذلك؛ ففي الصحيحين عن سهل بن سعد رضي الله عنه أنه قال: “لَمَّا عَرَّسَ أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ دَعَا النَّبِيَّ ﷺ وَأَصْحَابَهُ، فَمَا صَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا وَلَا قَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ إِلَّا امْرَأَتُهُ أُمُّ أُسَيْدٍ”، وقد عقد البخاري بابًا بعنوان: قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بنفسها. وقال القرطبي في تفسيره: فيه دليل على جواز خدمة العروس لزوجها وأصحابه يوم العرس.
وذكر ابن بطال في شرحه على البخاري أن الحجاب المفروض في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ إنما خُصَّت به أمهات المؤمنين، أما سائر نساء المسلمين فليس واجبًا عليهن الانفصال التام عن الرجال، وإنما الواجب هو التزام الستر وترك ما يوقع في الفتنة. وبيَّن الحافظ ابن حجر في فتح الباري أن خدمة المرأة لزوجها وضيوفه جائزة إذا روعيت الضوابط الشرعية من سترٍ وأمن فتنة.
وفي الصحيحين أيضًا جاء حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة إكرام أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه لضيفه، حيث شاركت زوجته في إعداد الطعام وإطفاء السراج حتى يُظهروا للضيف أنهم يأكلون معه، وقد أثنى النبي ﷺ على صنيعهم ونزل في شأنهم قوله تعالى: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ [الحشر: 9].
وكذلك ما ورد في صحيح البخاري عن أبي جحيفة رضي الله عنه في قصة سلمان مع أبي الدرداء، حينما كلَّم أم الدرداء وسألها عن حالها، فقال الحافظ ابن حجر: فيه دليل على جواز مخاطبة الأجنبية إذا كان الكلام لمصلحة معتبرة.
تلقي الرجال العلم من النساء
أما ما يتصل بتلقّي الرجال للعلم الشرعي والموعظة من النساء العالمات، فقد كان ذلك معروفًا منذ عصر الصحابة؛ فقد نقلت أمهات المؤمنين العلم، وروى عنهن الصحابة، وتوالت من بعدهن نساء كثيرات حملن العلم ودرّسنه. وقد أحصى الحافظ ابن حجر في كتابه الإصابة في تمييز الصحابة (1543) امرأة، بينهن فقيهات ومحدِّثات وأديبات.
ولم يقتصر دور المرأة على التعليم فقط، بل كان لها حضور في الحياة العامة ملتزمة بلباسها الشرعي وآداب دينها؛ ومن ذلك ما روي عن الصحابية سمراء بنت نهيك رضي الله عنها أنها كانت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وفي يدها سوط تؤدب به من يحتاج، كما جاء في رواية الطبراني بسند صحيح.
فالمرأة المسلمة كانت وما زالت شريكة في نشر العلم والدين، مع مراعاة الضوابط الشرعية التي تحفظ كرامتها وتصون المجتمع