عاجل

ما حكم البيع والشراء وقت صلاة الجمعة؟… الإفتاء توضح

البيع والشراء
البيع والشراء

في كل يوم جمعة، ومع ارتفاع الأذان الثاني، تتوجه أنظار المسلمين إلى المساجد تاركين وراءهم الأسواق وأعمالهم، امتثالًا لقوله تعالى: ﴿فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾. لكن يبقى التساؤل حاضرًا: ما حكم البيع والشراء في هذا الوقت؟ وهل يشمل النهي جميع الناس بلا استثناء، أم يختص بمن تجب عليهم صلاة الجمعة فقط؟ وفي هذا السياق أوضحت دار الإفتاء أن النهي عن البيع والشراء وسائر المعاملات في وقت الجمعة لم يأت لذاتها، وإنما باعتبارها مما قد يَحول دون السعي إليها ويشغل عنه. ولهذا قرر الفقهاء أن هذا المنع يختص بمن تجب عليهم الجمعة، أما من لم تلزمهم أو سقطت عنهم لعذرٍ فلا حرج عليهم في البيع والشراء حينئذ

فضل وأهمية صلاة الجمعة وخصائصها

تُعَدُّ صلاة الجمعة من أعظم شعائر الإسلام، فهي ملتقى المسلمين ومجمعهم الأكبر، وتمتاز بشروطٍ وخصائص لا توجد في غيرها من الصلوات الجماعية؛ كوجوب السعي إليها، واشتراط الاجتماع، وتحديد عدد المصلين، والإقامة والاستيطان، إضافة إلى سُنن خاصة بها؛ مثل الاغتسال والتطيّب والسواك ولبس أحسن الثياب. وقد أفرد العلماء مؤلفات مستقلة في بيان مكانة الجمعة وفضائلها؛ فألف الحافظ أبو بكر المروزي كتاب الجمعة وفضلها، وصنف الإمام النسائي كتاب الجمعة، وكتب السيوطي نور اللمعة في خصائص الجمعة. كما ذكر ابن القيم في زاد المعاد (1/384) ثلاثًا وثلاثين خصيصة تميز بها يوم الجمعة، وقال: إنها صلاة اختصت بفضائل ليست لغيرها؛ من الاجتماع، والعدد المخصوص، واشتراط الإقامة والاستيطان، والجهر بالقراءة.

ومن أبرز خصائصها: حرمة وقتها، حيث نهى الشرع عن البيع وقت النداء إليها؛ تعظيمًا لشأنها. قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ۝ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الجمعة: 9-10].

وقد بيّن العلماء أن النهي لا يقتصر على البيع وحده، بل يشمل كل ما يشغل عن السعي للجمعة من معاملات وعقود. قال السمعاني في قواطع الأدلة (2/129): المقصود من النهي عن البيع هو أنه يشغل عن الجمعة، فيقاس عليه سائر العقود والمعاملات لما فيها من الانشغال.

معنى النهي عن البيع وقت الجمعة

النهي هنا ليس لذاته، بل لأنه يؤدي إلى ترك السعي الواجب، فهو نهي عارض. يقول الإمام أبو الحسين البصري في المعتمد (2/254): لمّا أوجب الله السعي ونهى عن البيع المانع منه، دلّ على أن النهي متعلق بكونه معطلاً للواجب.

واتفق فقهاء المذاهب على أن البيع في أصله مشروع، لكنه مكروه وقت النداء إذا أدى إلى الانشغال عن الجمعة. قال الكاساني الحنفي في بدائع الصنائع : البيع جائز في ذاته، لكنه يكره لاتصاله بترك السعي. وقال القرافي في شرح تنقيح الفصول النهي عن البيع لأن فيه تشاغلًا عن الجمعة. وأوضح الزركشي الشافعي في تشنيف المسامع (3/274) أن ذكر البيع بالذات في الآية إنما هو لكونه أبرز ما يشغل الناس في ذلك الوقت. وبيّن ابن عقيل الحنبلي في الواضح (3/156) أن العلة هي قطع كل ما يحول دون السعي، والبيع ذُكر لأنه أهم أشغال الناس حينها.

فالمقصود من النهي إذن هو تأكيد وجوب السعي للجمعة، فالآية جاءت لتعظيم شأن هذه الشعيرة، لا لبيان أحكام البيوع بحد ذاتها. قال ابن قدامة في روضة الناظر : لو لم يكن النهي معللاً بالانشغال عن الجمعة، لكان ذكره في سياق أحكامها غير مناسب.

حكم البيع لمن لا تجب عليهم الجمعة

اتفقت المذاهب على أن النهي يخص المكلَّفين بالجمعة دون غيرهم؛ فالنساء، والصبيان، والمسافرون، ومن سقطت عنهم بعذر، لا يدخلون في حكم التحريم.

قال العيني الحنفي في عمدة القاري : حرمة البيع تختص بمن لزمته الجمعة، أما من لا تجب عليه كالنساء فلا يلزمه الحكم. وذكر المالكية في المدونة أن بيع من لا تجب عليه الجمعة صحيح وإن كُره. وقال الشافعي في الأم : لا كراهة في بيع من لا جمعة عليه وقت النداء. ونص ابن قدامة في المغني  على أن النهي خاص بالمخاطبين بالسعي، أما غيرهم فلا يتناولهم النهي لانتفاء علته.

وبذلك يتضح أن العلة الأساس في التحريم هي الانشغال عن أداء الجمعة، فإذا انتفت العلة بانتفاء التكليف، انتفى الحكم.

تم نسخ الرابط