لمن أراد الدخول في الصلاة.. هل يجب عليه الجهر بالنية؟

تثير مسألة الجهر بالنية عند الصلاة جدلًا متكررًا بين المصلين، خاصة في الجماعات، حيث يرفع بعضهم صوته بقول: “نويت أن أصلي فرض كذا…” قبل التكبير، في حين ينكر آخرون هذا التصرف ويرونه غير مشروع. وبين الحرص على استحضار القلب للعبادة، والالتزام بما ورد عن النبي ﷺ في كيفية الدخول في الصلاة، يبقى السؤال حاضرًا: ما الحكم الشرعي للجهر بالنية؟ وهل هو من السنة، أم بدعة، أم مجرد وسيلة لا تُطلَب إلا عند الحاجة وفي هذا السياق أوضحت دار الإفتاء محل النية هو القلب، ويُستحب التلفظ بها لمن وجد في ذلك عونًا على استحضار المقصود وتركيز القلب على الصلاة، لكن لا يُشرع الجهر بها على نحو يرفع الصوت ويزعج من حوله، بل يكفي أن يقولها المصلي سرًّا بمقدار ما يسمع نفسه دون أن يُحدث تشويشًا على المصلين
بيان معنى النية وحكم التلفظ بها عند الفقهاء
النية هي عزم القلب على فعلٍ معين مقترنًا بوقته، وهي عمل قلبي لا يُشترط فيها النطق باللسان؛ فمجرّد قصد العبادة بالقلب يكفي لصحتها، كالصلاة وسائر القُرَب. غير أن جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة ذهبوا إلى استحباب التلفظ بها؛ لأنه يُعين على حضور القلب واستحضار المقصود، كأن يقول: “نويت أن أصلي فرض الظهر”، ويكون التلفظ قبل تكبيرة الإحرام، أما النية القلبية فلا بد أن تقترن بالتكبيرة؛ لأنها أول الصلاة. وقد ورد في بعض العبادات ـ كالحج ـ استحباب التلفظ بالنية.
مناقشة القول ببدعية التلفظ بها
في المقابل، رأى بعض أهل العلم كابن تيمية أن التلفظ بالنية بدعة أو مكروه؛ لعدم ثبوت ذلك عن النبي ﷺ ولا عن أصحابه، وقالوا: إن التلفظ بها في الحج من خصائصه ﷺ. غير أن هذا الرأي محل نظر؛ لأن مجرد الترك لا يدل على المنع، ولأن ما يوافق أصول الشرع ولا يخالف قواعده لا يكون مردودًا، كما أن تخصيص التلفظ بالحج بلا دليل مخالف للأصل.
حكم التلفظ بها عند الحاجة
إذا كان المكلَّف لا يستطيع جمع قلبه على النية إلا بالتلفظ، فإن التلفظ يصبح في حقه لازمًا؛ إذ القاعدة الفقهية تقرر أن “ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب”، وأن “الوسائل لها أحكام المقاصد”.
تفصيل أقوال الفقهاء في المسألة
• قال السرخسي من الحنفية في المبسوط: التلفظ بالنية غير معتبر، لكن إن قصد به تقوية عزيمة القلب فهو حسن.
• وذكر في البحر الرائق أن المشايخ اختلفوا: فمنهم من عدّه مستحبًا، ومنهم من اعتبره بدعة، إلا أن الحاجة إليه تبيحه، بل تجعله وسيلة مقبولة إذا عجز المصلّي عن استحضار النية بقلبه.
• وقال الماوردي من الشافعية في الحاوي: الأصل أن النية محلها القلب، وأكمل أحوالها أن يجمع بين النية القلبية والتلفظ، أما الاكتفاء بالقلب فيجزئ باتفاق المذهب.
• وذكر ابن قدامة في المغني: النية معناها القصد، ومحلها القلب، أما التلفظ بها فمجرد تأكيد.
• وقال ابن تيمية في شرح العمدة: التلفظ قد يكون أفضل في بعض الأحوال، خاصة لمن يعاني من الوسواس، إذ يساعده على استحضار النية، ويأخذ حكم الوسائل التي يتوقف عليها فعل الواجب.
وبذلك يتبين أن النية أصلها في القلب، والتلفظ بها إما وسيلة مستحسنة لتقوية الحضور الذهني، أو بدعة مرفوضة عند من لم يثبتها، لكن الحكم يدور مع حاجة المكلَّف وقدرته على استحضار القصد