عاجل

هل القراءة من المصحف في صلاة الفريضة يبطلها .وهل الحكم يختلف في صلاة النافلة؟

الصلاة
الصلاة

مع ازدياد حرص المصلين على الخشوع وإتقان التلاوة، يلجأ بعضهم إلى حمل المصحف أثناء الصلاة وقراءة الآيات منه مباشرة، خاصة في الصلوات الطويلة. لكن يبقى السؤال المطروح في أذهان الكثيرين: هل القراءة من المصحف في صلاة الفريضة جائزة أم أنها تبطل الصلاة؟وفي هذا السياق أوضحت دار الإفتاء أن القراءة من المصحف في الصلاة جائزةٌ شرعًا ولا كراهة فيها؛ سواء أكان ذلك في الفريضة أم النافلة

مذهب الشافعية والمفتى به عند الحنابلة في القراءة من المصحف في الصلاة

من أعظم وجوه القرب والطاعات أن يجمع المسلم بين شرفين: عبادة الصلاة وتلاوة القرآن، فيحرص على ختم المصحف داخل صلاته. ولما كان ذلك متعذرًا على كثير من الناس من الحفظ، بحث الفقهاء في جواز الاستعانة بالمصحف أثناء الصلاة، سواء بحمله في اليد أو وضعه على حامل ليقرأ منه المصلي.

والراجح عند الشافعية، وهو المعتمد في مذهب الحنابلة، أن القراءة من المصحف في الصلاة جائزة للإمام والمنفرد، من غير فرق بين الفرض والنفل، وسواء كان المصلي حافظًا أم غير حافظ. وهذا ما نقله ابن قدامة في المغني (1/ 336) عن عطاء ويحيى الأنصاري من كبار فقهاء التابعين.

وقد ثبت في صحيح البخاري تعليقًا، ووصل الأثر ابن أبي شيبة والبيهقي، أن السيدة عائشة رضي الله عنها كان يؤمها عبدها ذكوان وهو يقرأ من المصحف. كما سُئل الإمام الزهري عن القراءة من المصحف في رمضان، فقال: “كان خيارنا يقرؤون في المصاحف” (المدونة الكبرى 1/ 288-289، المغني 1/ 335).

وإذا كانت تلاوة القرآن عبادة، فإن النظر في المصحف عبادة أخرى، واجتماع العبادتين لا يوجب المنع بل يزيد الأجر؛ قال الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين (1/ 229): “وقد قيل الختمة في المصحف بسبع؛ لأن النظر فيه أيضًا عبادة”.

كما أن القاعدة الفقهية المقررة تقضي بأن “الوسائل تأخذ حكم المقاصد”، فالمقصود هنا هو حصول التلاوة، فإذا حصلت بالنظر في المصحف كانت جائزة. قال النووي في المجموع (4/ 27): “لو قرأ القرآن من المصحف لم تبطل صلاته، سواء كان يحفظه أم لا، بل يجب عليه ذلك إذا لم يحفظ الفاتحة… ولو قلب أوراقه أحيانًا في صلاته لم تبطل”. ونقل البهوتي في كشاف القناع (1/ 384): “وله –أي المصلّي– القراءة في المصحف ولو كان حافظًا، في الفرض والنفل سواء”.

مذهب الحنفية

ذهب الحنفية إلى أن القراءة من المصحف تُفسد الصلاة، وهو أيضًا قول ابن حزم من الظاهرية. واستدلوا بأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر رضي الله عنه نهى أن يُؤمّ الناس بالمصحف، إلا أن هذا الأثر ضعيف لا يثبت، لوجود راوٍ متروك في سنده.

واحتجوا أيضًا بأن حمل المصحف وتقليب أوراقه عمل كثير. غير أن الرد على ذلك: أن حمل المصحف لا يعد كثيرًا، بدليل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى وهو حامل أمامة بنت أبي العاص، فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها. أما تقليب الصفحات فهو من قبيل العمل اليسير الذي لا يبطل الصلاة، لأنه يقع في أوقات متباعدة، ويمكن الاستغناء عنه بوضع مصحف كبير الخط أمام المصلي.

أما الصاحبان أبو يوسف ومحمد من الحنفية، فقد قالا بالكراهة فقط دون فساد الصلاة، سواء في الفرض أو النفل، لأن القراءة من المصحف عبادة ضُمّت إلى عبادة، غير أنهم كرهوا ذلك للتشبه بأهل الكتاب. والتحقيق أن الكراهة إنما تتحقق إذا قصد المصلي التشبه، أما إذا لم يخطر بباله هذا المعنى فلا كراهة؛ إذ الأصل أن الحكم يدور مع القصد. قال ابن نجيم في البحر الرائق (2/ 11): “التشبه بأهل الكتاب لا يكره في كل شيء… وإنما الحرام هو فيما كان مذمومًا أو قصد به التشبه”.

مذهب المالكية

فرّق المالكية بين الفرض والنفل:
• في الفرض: كرهوا القراءة من المصحف مطلقًا، سواء من أول الصلاة أو في أثنائها.
• في النفل: تكره إذا بدأ في أثنائها، أما إن ابتدأ بها من المصحف فلا كراهة، لأن النوافل يغتفر فيها ما لا يغتفر في الفرائض.

ووجه الكراهة عندهم أن الانشغال بالمصحف قد يخل بالخشوع، لكن القراءة منه ليست عبثًا، بل هي عمل يسير له غاية مشروعة، فلا يدخل في باب العبث المنهي عنه. ويُستدل لذلك بما ورد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خلع نعليه في الصلاة لما أُخبر أن فيهما أذى، ففعل ذلك من غير أن يقطع صلاته (رواه أحمد وأبو داود عن أبي سعيد الخدري)

تم نسخ الرابط