عاجل

حكم الإخبار بما في الخاطب من عيوب .. وهل يعد من باب الغيبة؟

الخاطب
الخاطب

قالت دار الإفتاء إذا استُشير الرجل من قِبَل جاره بشأن شاب تقدّم لخطبة ابنته، وكان على يقين من وجود صفات غير محمودة في هذا الخاطب، فواجبه أن يبلّغه بما يحميه من الضرر. وله أن يكتفي بعبارات عامة دون الدخول في تفاصيل، كأن يقول له: “هذا الشاب غير مناسب لابنتك”. فإن أدرك أن مثل هذا التلميح لا يُفهم مقصوده، أو لا يحقق الغاية من النصح، جاز له أن يصرّح بما يعلمه عنه من عيوب على وجه الحقيقة، بشرط أن يكون ذلك بلا زيادة ولا مبالغة. وفي هذه الحالة لا إثم عليه ولا حرج، لأنه أدّى واجب النصيحة


التأنّي في اختيار شريك الحياة

إن عقد النكاح ليس مجرد اتفاق عابر، بل هو ميثاق غليظ وعهد عظيم رتّب الشرع الشريف عليه أحكامًا وقواعد تحفظ للزوجين دوام المودة والرحمة واستقرار الحياة الزوجية. وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحكمة السامية بقوله تعالى:
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21].

ولذلك فإن حُسن الاختيار والتروّي في قبول الشريك هو الأساس الذي تُبنى عليه الحياة الزوجية السليمة، بحيث يقوم على معايير شرعية وعقلية متوازنة، مع مراعاة الميل القلبي المنضبط. وقد أرشد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى هذا المعنى حين قال:
«تُنكَحُ المَرأَةُ لِأَربَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظفَر بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَت يَدَاكَ» (متفق عليه).
وكذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا أَتَاكُم مَن تَرضَونَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ» (رواه ابن ماجه والترمذي).

 

حكم بيان عيوب الخاطب

من المألوف في فترة التعارف أن يُظهر كل طرفٍ أجمل ما لديه من الصفات والأخلاق، وقد يخفي بعض النقائص أو العيوب، فيظن الناظر أن الصورة الظاهرة مطابقة للباطن، بينما لا يُكشف معدن الإنسان الحقيقي إلا بكثرة المعاشرة أو بالسؤال عمّن يعرفه معرفة دقيقة من أهل القرب أو الصحبة الطويلة.

ولهذا إذا جاء خاطب لامرأة، فمن حق وليها أن يسأل ويتثبت من حاله قبل القبول أو الرد، وذلك بسؤال من يعرفه معرفة وثيقة. وعلى المستشار في مثل هذا المقام أن يتحلى بالصدق والأمانة، وأن يقدّم النصيحة خالصة، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «المُستَشَارُ مُؤتَمَنٌ» (رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه)، وقال أيضًا: «إِذَا استَنصَحَ أَحَدُكُم أَخَاهُ فَليَنصَح لَهُ» (رواه البخاري تعليقًا).

وقد دلّت سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه على مشروعية كشف ما في الخاطب من عيوب إذا سُئل عن حاله، شريطة أن يكون القصد النصح والتحذير لا التشهير أو الإيذاء، وهذا لا يدخل في الغِيبة المحرمة، بل هو من باب الغيبة المباحة لمصلحة شرعية.

ومن ذلك ما روته فاطمة بنت قيس رضي الله عنها أنها ذكرت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن معاوية وأبا جهم خطباها، فقال: «أَمَّا أَبُو جَهمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَن عَاتِقِهِ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ، انكِحِي أُسَامَةَ بنَ زَيدٍ» (رواه مسلم).
وكذلك ما ورد عن بلال رضي الله عنه حين تقدّم أخوه لخطبة امرأة، فبيّن عيوبه صراحة وقال: «هُوَ امرُؤُ سُوءٍ، سَيِّئُ الخُلُقِ وَالدِّينِ، فَإِن شِئتُم أَن تُزَوِّجُوهُ فَزَوِّجُوهُ، وَإِن شِئتُم أَن تَدَعُوهُ فَدَعُوهُ» (رواه البيهقي والحاكم).

أقوال الفقهاء

اتفق الفقهاء على أن ذكر العيوب في حال الاستشارة مشروع إذا كان القصد النصح:
• قال الإمام النفراوي المالكي: “يجوز ذكر حال الرجل إذا استشير في أمر زواجه، بشرط أن يكون ذلك للنصيحة لا للتنقّص” (الفواكه الدواني 2/296).
• وقال الخطيب الشربيني الشافعي: “من استُشير في خاطب وجب أن يذكر ما فيه من عيوب بصدق، حتى يُحذر منه، ويكون قصده النصيحة لا الإضرار” (مغني المحتاج 4/222).
• وقال البهوتي الحنبلي: “على من استُشير في خاطب أن يبيّن ما فيه من مساوئ، ولا يُعد ذلك غيبة إذا قصد به النصيحة” (كشاف القناع 5/11).

ضوابط الاستشارة

مع ذلك، أوصى العلماء بضرورة الموازنة بين النصيحة وصيانة اللسان؛ فإن كان الغرض يتحقق بكلمة لطيفة مثل: “لا أنصحك به” أو “ليس مناسبًا لك” وجب الاكتفاء بذلك، أما إذا كان السائل لا يفهم إلا بالتصريح، جاز حينئذٍ بيان العيوب صراحةً دفعًا للغرر وإقامةً لواجب النصيحة.
قال الإمام النووي: “إذا استشارك أحد في مصاهرته، وجب أن تذكر له ما تعلمه من حاله على سبيل النصيحة، فإن كفى التلميح لم يجز التصريح، وإن لم يحصل المقصود إلا بالتصريح ذُكر صريحًا” (الأذكار ص 543)

تم نسخ الرابط