لبنان يخطو بهدوء نحو نزع سلاح حزب الله لتفادي الصدام المباشر

تُظهر التطورات السياسية الأخيرة في لبنان بدء تحرك رسمي باتجاه معالجة ملف السلاح غير الشرعي، وتحديدًا سلاح حزب الله، ضمن خطة متدرجة تتفادى الصدام المباشر وتتبنى مقاربة تفكيك منظم تفتح الباب أمام إعادة تموضع داخلي وإقليمي للبلاد.
ووصفت مصادر سياسية لبنانية هذا المسار بأنه محاولة واعية لإعادة إدراج السلاح ضمن النقاش المؤسساتي، مع الحفاظ على مبدأ السيادة كمرجعية أساسية، وبهدف فتح الطريق أمام حل سياسي أمني دون الدخول في مواجهة مفتوحة مع الحزب وبيئته الحاضنة.
ويأتي هذا التوجّه وسط قناعة رسمية بأن التوقيت الإقليمي والدولي بات يسمح، ولأول مرة منذ سنوات، بالتعاطي مع ملف السلاح من موقع المبادرة لا كردّ فعل.
كما كشفت مصادر لبنانية في تصريجات صحفية عن بوادر تباين داخل "الثنائي الشيعي"، حيث تبدي أوساط في حركة "أمل" استعدادًا لمواصلة النقاش داخل الأطر الرسمية، بينما يعارض "حزب الله" أي محاولة تعتبر مساسًا بما يصفه بـ"الثوابت".

إعادة تموضع شامل
تؤكد المصادر اللبنانية أن الخطوات الجارية من قبل رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء تتجاوز البعد الأمني، وتشكل مدخلًا لإعادة صياغة موقع لبنان الجيوسياسي، خاصة لجهة ترميم العلاقات مع دول الخليج، أوروبا، والولايات المتحدة، على أساس استعادة سيادة الدولة.
وذكرت المصادر أن جلسات الحكومة المخصصة لبحث ملف سلاح حزب الله تتناول تفاصيل ورقة أمريكية معدّلة، تتضمن خريطة طريق تنفيذية على مرحلتين تبدأ من خارج الجنوب، وتترافق مع ترتيبات أمنية واقتصادية لتقليل التوتر الشعبي والسياسي.
وتوضح المصادر أن هذه الخطة، الواردة في "ملحق غير معلن"، تسعى لاختبار جدوى التحرك بهدوء دون استفزاز مباشر للبيئة الشيعية، عبر مسار دبلوماسي وأمني، لا عبر الخطاب السياسي وحده.
وأكدت أن الرئيس جوزيف عون يرى في هذا التوقيت "فرصة تاريخية غير قابلة للتراجع"، وهو مستعد لتحمّل الضغوط، شرط ألّا يتحوّل الملف إلى ورقة مساومة داخلية.
وتقترح المسودة قيد النقاش ثلاث مراحل أساسية على النحو التالي:
- تجميد تدريجي للسلاح خارج الجنوب،
- دمج منتسبي الحزب السابقين في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية،
- إطلاق قناة تفاوض غير معلنة تحفظ ماء وجه الحزب في سياق انسحاب تدريجي ومدروس.
ويشدد المصدر على أن تنفيذ هذه الخطة يتطلب توافقًا دوليًا وإقليميًا، وهو ما تعمل عليه الرئاسة اللبنانية حاليًا.
تحولات داخلية جدية
بعكس المراحل السابقة، يحمل الخطاب الرسمي اليوم طابعًا أكثر واقعية، ويبتعد عن الشعارات، بحسب مصادر سياسية لبنانية مطلعة.
وتؤكد هذه المصادر أن الحكومة تتعامل مع ملف السلاح بمنطق الوقائع، وليس الخضوع للضغوط أو المعادلات المفروضة، في ظل وجود فرصة حقيقية لتفاهم وطني شامل.
وبات الجيش اللبناني، اليوم الذي غالبًا ما وُضع في موقع الحياد القسري، ، بحسب المصادر، في موقع "صاحب المبادرة"، بعيدًا عن أي دور كغطاء لأي طرف.
وفي السياق نفسه، تشهد البيئة الشيعية حراكًا متزايدًا، حيث تشير التقديرات إلى تنامي حالة من التململ بين أبناء الجنوب والبقاع، ممن يرون في استمرار سلاح الحزب سببًا رئيسيًا لتدهور علاقات لبنان الخارجية وأزماته الاقتصادية.
ويأتي هذا التوجه نتيجة تراكب عوامل داخلية وخارجية، تُجبر الدولة على اتخاذ أحد خيارين: إما الانخراط في عملية إعادة هيكلة جذرية للأمن والسياسة، أو مواجهة انهيار إضافي في مؤسسات الدولة.
الباحث السياسي طلال خليفة يرى أن ما يحدث يمثل كسرًا للرّهبة التي لطالما منعت السلطة من الاقتراب من ملف السلاح، مشيرًا إلى أن الجيش اليوم يعاد تشكيل رمزيته كمؤسسة جامعة، وأن نزع سلاح الحزب قد يشكّل لحظة مفصلية في استعادة السيادة الوطنية.
وبعيدًا عن لغة التحدي، تؤكد مصادر لبنانية أن النشاط العسكري لـ"حزب الله" داخل لبنان يشهد ما يشبه "الخفوت الموجّه"، ضمن سيناريو يُفترض أنه انسحاب تكتيكي يهدف إلى خفض التوتر وامتصاص الضغوط، وربما تمهيد الطريق لتسوية أكبر تُحاك في الكواليس.
وفي هذا الإطار، يرى المحلل السياسي جوزيف كرم أن ملف سلاح الحزب لا يمكن عزله عن موقع إيران الإقليمي. فـ"حزب الله"، وفق كرم، لم يعد فقط ذراعًا عسكرية، بل بات جزءًا من منظومة سياسية–أمنية مرتبطة بتحولات طهران في المنطقة.
ويشير إلى أن إيران قد بدأت بالفعل إعادة تقييم استثمارها في الحزب، بما يتجاوز "وظيفة السلاح المقاوم"، نحو دور أكثر انسجامًا مع التطورات الإقليمية.
ويختم كرم بالقول إن لبنان بحاجة اليوم إلى مشروع جامع يعيد تعريف الدولة بعيدًا عن السلاح، والوصايات، والتجاذبات الإقليمية، معتبرًا أن ما يجري حاليًا هو بداية مسار فعلي نحو استعادة القرار الوطني من "السلاح الموازي"، في لحظة تتقدم فيها مؤسسات الدولة الشرعية وهمالرئاسة، الحكومة، والجيش، للمرة الأولى، بخطوات عملية واضحة.