عاجل

شبهة في تأويل آية|هل قوله تعالى «ذلك أدنى أن يعرفن» دليل فرضية النقاب؟

الدكتور محمد إبراهيم
الدكتور محمد إبراهيم العشماوي

فند الدكتور محمد إبراهيم العشماوي أستاذ الحديث الشريف وعلومه في جامعة الأزهر الشريف شبهة في تأويل آية، حيث يظن بعض الناس أن قوله تعالى، في آية الحجاب: "ذلك أدنى أن يُعرفن، فلا يُؤذَين"؛ معناه: أنه أدنى ألا تُعرف المرأة، بسبب تغطية وجهها، وأن هذا يدل على فرضية النقاب.

هل قوله تعالى «ذلك أدنى أن يعرفن» دليل فرضية النقاب؟

وقال العشماوي: هذا تأويل خاطئ لمعنى الآية الكريمة، يوضح هذا كلام السادة المفسرين - رضي الله عنهم - عند تفسيرهم لهذه الآية، قال الإمام محمد بن جرير الطبري، شيخ المفسرين، في تفسيره: [جامع البيان عن تأويل آي القرآن]: "وقوله: (ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين)، أي: إذا فعلن ذلك عُرفن أنهن حرائر، لَسْنَ بإماء ولا عواهر.

قال السُّدِّي في قوله تعالى: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين، يدنين عليهن من جلابيبهن، ذلك أدنى أن يُعرفن فلا يُؤذين)، قال: "كان ناس من فُسَّاق أهل المدينة؛ يخرجون بالليل، حين يختلط الظلام، إلى طرق المدينة، يتعرضون للنساء، وكانت مساكن أهل المدينة ضيقة، فإذا كان الليل خرج النساء إلى الطرق، يقضين حاجتهن، فكان أولئك الفساق يبتغون ذلك منهن، فإذا رأوا امرأة عليها جلباب؛ قالوا: "هذه حرة"، فكفُّوا عنها، وإذا رأوا المرأة ليس عليها جلباب؛ قالوا: "هذه أَمَة"، فوثبوا إليها".

وقال مجاهد: "يتجلببن، فيُعلم أنهن حرائر، فلا يتعرض لهن فاسق بأذى ولا ريبة"، موضحًا: مثل هذا التأويل قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: [تفسير القرآن العظيم].

وقال الإمام القرطبي في تفسيره: [الجامع لأحكام القرآن]: "قوله تعالى: (ذلك أدنى أن يعرفن) أي الحرائر، حتى لا يختلطن بالإماء، فإذا عُرفن لم يُقابَلن بأدنى من المعارضة، مراقبة لرتبة الحرية، فتنقطع الأطماع عنهن. وليس المعنى: "أن تُعرف المرأة حتى تُعلم من هي".

وكان عمر - رضي الله عنه - إذا رأى أَمَةً قد تقنعت؛ ضربها بالدِّرَّة، محافظة على زي الحرائر". 

والحاصل: أن المعنى الصحيح للآية الكريمة؛ هو التمييز بين لباس الحرائر ولباس الإماء، وأن الحرة كانت تلبس الجلباب والخمار، والأمة لم تكن كذلك، لضرورة قيامها بالخدمة والامتهان، فتحتاج إلى التكشف، فالمعنى على هذا: ذلك أدنى أن يُعرفن أنهن حرائر، بدلالة الجلباب والخمار، فلا يتعرض لهن الفساق بأذى، كما يتعرضون للإماء المتكشفات.

ونبه أنه ليس في الآية أي نوع من أنواع الدلالة على وجوب ستر الوجه بالنقاب، ولو كان معنى الآية كما يتوهم المتوهمون؛ لقال الله تعالى: "ذلك أدنى ألا يُعرفن"، بالنفي، لا بالإثبات، مشددًا: «حتى لا يُفهم كلامي على غير وجهه، من أنني ضد النقاب - كما اعتاده قصار الفهم والنظر، ومسيؤو الظن بالمسلمين - فهذا بعض ما كتبته من منشورات قديمة، في مسألة النقاب»

وأضاف: كتبت في منشور سابق، أقول: "رغم أني مع رأي جمهور الفقهاء، لا أرى وجوب النقاب؛ إلا أني أعده حرية شخصية على الأقل، كسائر الحريات، ما لم تؤذ، ويمكن دفع أذاها المحتمل بالإجراءات الأمنية، فإن حظرت، فينبغي حظر حرية التبرج والسفور؛ فإنها أشد إيذاء!".

وقلت في منشور آخر: "المرأة عورة مستورة! نعم، النقاب ليس فرضا، ولكنه أيضا ليس حراما! وبين ان دعوى أن فرضية النقاب تعني إلغاء فضيلة غض البصر؛ دعوى لا تستقيم إلا عند من يرى قصر النظر على الأجزاء المتعرية من الجسد فقط!

وشدد: الحق أن المرأة عورة مستورة، وأنها لا تثير بجمال وجهها المكشوف فقط، بل بقوامها، وطولها، وعرضها، ومشيتها، ولو لبست أطنانا من الثياب، فضلا عن كلامها، وضحكها، وتبسمها، وكل هذا مطلوب غض البصر عنه!

ألم تسمع قول الشاعر:

ألا إنما هندٌ عَصا خَيْزُرانةٍ

إذا لَمَسُوها بالأكفِّ تَلِينُ!

وقول الآخر:

إذا قامت لِسُبْحتها تثَنَّتْ

كأنَّ عِظامَها من خَيْزُرانِ!

فما أخذه جمال وجهها، وإنما استرعاه لين قوامها، وحسن كلامها، فسقطت الدعوى، وبقي النقاب على أصل الجواز، لا واجبا ولا محرما!".

النقاب ليس شعارًا دينيًا ولا إرهابيًا

ولفت في منشور آخر: النقاب ليس شعارًا دينيًا ولا إرهابيًا، ولا هو خاص بالمسلمات، بل هو حرية شخصية للمرأة، وحق مكفول لها في ارتدائها ما تشاء من الملابس التي تستر جسدها، وتحفظها من الفتن - مسلمة كانت أو يهودية أو نصرانية أو بلا دين - كحرية التعري، بل هو أولى من حقها في التعري؛ لأنه نافع، والتعري ضار، والحرية الشخصية - فيما لا يضر بالآخر - حق دستوري أصيل، ومفاسد النقاب المزعومة يمكن إزالتها عن طريق التحقق من هوية المنتقبة، بواسطة امرأة أو حتى رجل، باعتبارها ضرورة، والضرورات تبيح المحظورات، ومن ثم فمنع النقاب بقانون؛ أمر لا يدعمه الدستور، ولا تقره المواثيق العالمية لحقوق الإنسان.

واختتم: «كل هذا ورأيي أن النقاب ليس بواجب شرعا - وهو ما عليه كثير من الفقهاء، باعتبار أن الوجه ليس بعورة - وقد يجب في بعض الأحيان!". فإن قلتَ: فما خَطْبُكَ إذن؟ قلت: أردت ألا تحتكر جماعة - غير مؤهلة - فهم الدين، وتفرض هذا الفهم الخاطئ على عموم المسلمين، بل على العلماء المتخصصين».

تم نسخ الرابط