عام على حكم الشرع لسوريا.. حضور خارجي لافت يقابله انفلات بالداخل
بعد مرور عام على توليه السلطة، استطاع الرئيس السوري أحمد الشرع تعزيز حضوره على الساحة الدولية وفك كثير من القيود والعقوبات التي كبلت بلاده، إلا أن الطريق داخليًا لا يزال مليئًا بالعقبات.
ويرى محللون تحدّثوا لوكالة "فرانس برس" أن الاشتباكات الدامية ذات الطابع الطائفي في مناطق العلويين والدروز، إلى جانب الهجمات الإسرائيلية المتواصلة، أربكت مسار المرحلة الانتقالية، مشيرين إلى أن آمال السوريين كانت كبيرة في أن يقودهم أحمد الشرع نحو الاستقرار بعد ما يقارب 14 عامًا من النزاع مع نظام بشار الأسد.
ويقول نانار هواش، كبير باحثي سوريا في مجموعة الأزمات الدولية: "بعد عام على سقوط نظام الأسد، بدأت سوريا كتابة فصل جديد لم يكن كثيرون يعتقدون أنه ممكن، حيث عادت العلاقات الدبلوماسية، وبدأت الاستثمارات تتدفق، وتحررت البلاد تدريجيًا من سنوات العزلة"، لكنه يضيف أن الاعتراف الدولي لا يكفي ما لم يشعر المواطن السوري بالأمان في حياته اليومية.

8 ديسمبر.. ليلة السيطرة على دمشق
في 8 ديسمبر، دخلت المعارضة بقيادة أحمد الشرع إلى دمشق إثر هجوم مفاجئ انطلق من شمال غرب سوريا، وتمكنت خلال أقل من أسبوعين من إسقاط حكم بشار الأسد الذي امتد أكثر من خمسة عقود.
وخلال العام الماضي، ظهر الشرع بكثافة على الساحة الدبلوماسية مرتديًا بزات رسمية وربطات عنق لافتة، وطاف بين عواصم العالم، لينال ترحيبًا خاصًا من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي استقبله في البيت الأبيض ووصفه بـ"الصديق" و"الرجل القوي".

كما تحدث أحمد الشرع أمام الأمم المتحدة في نيويورك، وزار فرنسا والسعودية وقطر وتركيا، ووصل إلى موسكو رغم أن طائراتها قصفت سابقًا معقل المعارضة في إدلب.
كما رفعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا عقوبات اقتصادية عن سوريا، وأزيل اسم الشرع من قوائم الإرهاب الأمريكية والدولية، ووقعت دمشق اتفاقات استثمارية بمليارات الدولارات في قطاعات الطاقة والبنى التحتية وغيرها.

أزمة الداخل في سوريا
لكن على أرض الواقع، ما يزال أمام الشرع الكثير لتحقيقه، ويقول هواش: "ربح الشرع في الخارج، لكن جوهر السلطة يصنع في الداخل؛ حيث يحتاج السوريون إلى قوات منضبطة، وتمثيل سياسي شامل، ومحاسبة حقيقية عند وقوع الانتهاكات".
ويرى أن نجاح المرحلة الانتقالية يستلزم مؤسسات قوية مستقلة، وقضاء قادر على موازنة السلطة، وبرلمانًا يتجاوز دوره التصديق الشكلي، إضافة إلى مجتمع مدني حر.
ورغم اتخاذ الشرع خطوات لترسيخ حكمه، منها إصدار إعلان دستوري يمنحه صلاحيات واسعة وتشكيل حكومة أعطى حقائبها الرئيسية لمقربيه، ما تزال بعض الملفات عالقة، حيث إن آلية اختيار مجلس الشعب لم تتحدد بعد، والأكراد ما زالوا خارج تمثيل السلطة رغم اتفاق دمج إدارتهم بالكاد لم يتحقق منه شيء مع اقتراب انتهاء مهلة تنفيذه.
تفجرت التوترات الطائفية بعد مقتل أكثر من 1700 علوي في الساحل في مارس، وأكثر من ألفي درزي بينهم 789 مدنيًا في السويداء في يوليو الماضي، ما زاد الشرخ بين المكونات.

أزمة أمنية وثقة مهزوزة في سوريا
ويؤكد نايك هيراس من "معهد نيو لاينز" أن الشرع في وضع صعب لعدم امتلاكه جهازًا أمنيًا موحدًا قادرًا على فرض القواعد.
فيما يشير جمال منصور، الباحث في العلوم السياسية بجامعة تورونتو، إلى أنّ ضبط الفصائل المعارضة يمثل تحديًا كبيرًا، وينتج عنه انفلات أمني من عمليات قتل وخطف حصدت عشرات الأرواح منذ بداية العام.
ويرى منصور أن كل ذلك يعمق أزمة الثقة بين الشرع والأقليات، رغم اعتقاده بأن معظم السوريين يرون الشرع الخيار الوحيد المتاح، لأن البديل هو الفراغ.
إلى جانب ذلك، يواجه الشرع دعوات للانفصال أو الحماية الدولية في الجنوب والساحل، في ظل تدهور الأمن والاقتصاد، بينما يستمر الأكراد بالمطالبة بنظام لا مركزي.

العدوان الإسرائيلي المتواصل على سوريا
وتعد إسرائيل أحد أبرز التحديات، خاصة مع رغبتها في إقامة منطقة منزوعة السلاح قرب دمشق، وتوغل قواتها شبه اليومي داخل الأراضي السورية.
ورغم جولات تفاوض مباشرة بين الجانبين على مستوى وزاري، لم تتوقف الهجمات، ما دفع ترامب إلى توجيه تحذيرات لإسرائيل بشأن زعزعة استقرار سوريا.
ويؤكد منصور أن إسرائيل تضع الرئيس السوري أحمد الشرع في موقف حساس مع استمرار الكيان الصهيوني في الضغط واستعراض قوتها.



