ما حكم تغطية المرأة وجهها بالكمامة وهي محرمة؟.. الإفتاء توضح
أكدت دار الإفتاء أنه لا مانع شرعًا من أن تضع المرأةُ كمامة طبية على وجهها للتحرُّز من العدوى حال كونها مُحْرِمَةً بالعمرة أو الحج، ولا فدية عليها في ذلك، لأن الكمامة الطبية ليست من النقاب أو غطاء الوجه المنهي عنهما في الإحرام؛ إذ إنها لم تُعَدَّ في الأصل لستر الوجه.
مفهوم الكمامة
الكمامة في اللغة: من مادة كمم، يقال: كممت الشيء أي: غطيته، وكم الشيء يكمه كما: طينه وسده، قال الراجز: “بل لو رأيت الناس إذ تكمموا.. بغمة؛ لو لم تفرج غموا” قيل: أراد تكمموا من كممت الشيء إذا سترته، وقال الأصمعي: كممت رأس الدن أي: سددته، والكمامة: شيء يسد به فم البعير والفرس لئلا يعض؛ كما في لسان العرب لجمال الدين بن منظور.
والكمامة الطبية: عبارة عن غطاء للأنف والفم، مصنوع من مادة طبية تمنع نفاذ ما يخرجه الإنسان من رذاذ أو هواء محمل بالفيروسات أو ما من شأنه نقل العدوى بين الأفراد، وهي وسيلة من الوسائل التي أقرتها الجهات الصحية حول العالم للوقاية من الفيروسات والأمراض المعدية التي يتم تناقلها عبر الجهاز التنفسي والحد من انتشارها؛ كوباء كورونا كوفيد 19، كما أفادت بذلك منظمة الصحة العالمية في بيانها الرسمي الصادر في 5 يونيو 2020م، بعنوان: “نصائح بشأن استخدام الكمامات في سياق جائحة كوفيد 19”.
حكم ستر المرأة المحرمة لوجهها
تواردت النصوص الشرعية على أن ستر المرأة المحرمة وجهها بالنقاب أو نحوه من محظورات الإحرام؛ فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ولا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين» أخرجه الإمام البخاري في الصحيح.
قال شهاب الدين القسطلاني في إرشاد الساري عند شرحه لهذا الحديث: فيباح لها ستر جميع بدنها بكل ساتر مخيطًا كان أو غيره إلا وجهها؛ فإنه حرام، كذا ستر الكفين بقفازين أو أحدهما بأحدهما؛ لأن القفازين ملبوس عضو ليس بعورة، فأشبه خف الرجل، ويجوز سترهما بغيرهما؛ ككم وخرقة لفتها عليهما؛ للحاجة إليه ومشقة الاحتراز عنه.
وقال الأمير الصنعاني في التحبير لإيضاح معاني التيسير: قوله: “ولا تنتقب المرأة” أي: المحرمة، أي: لا تجعل النقاب على وجهها، والنقاب: الخمار الذي يسدل على الوجه أو تحت المحاجر، والمراد: نهيها عن لبس النقاب، وأما لغيره مما يستر الوجه: فتفعله.
وقال في سبل السلام: والذي يحرم عليها في الأحاديث: الانتقاب؛ أي: لبس النقاب، كما يحرم لبس الرجل القميص والخفين، فيحرم عليها النقاب، ومثله البرقع وهو الذي فصل على قدر ستر الوجه؛ لأنه الذي ورد به النص كما ورد بالنهي عن القميص للرجل مع جواز ستر الرجل لبدنه بغيره اتفاقًا، فكذلك المرأة المحرمة تستر وجهها بغير ما ذكر كالخمار والثوب، ومن قال: إن وجهها كرأس الرجل المحرم لا يغطى شيء: فلا دليل معه.
والنقاب: هو ما تلبسه المرأة بقصد تغطية وجهها؛ بحيث تبدو منه محاجر العين، ويكون على مارن الأنف؛ كما في غريب الحديث للعلامة أبي عبيد الهروي، ولسان العرب للعلامة ابن منظور، والتوشيح للحافظ السيوطي.
وقد ذهب جمهور الفقهاء؛ من الشافعية، والحنابلة: إلى أن المحظور في إحرام المرأة بشأن وجهها هو تغطيته بمخيط أو بما وضع وأعد لستره قصدًا؛ كالنقاب والبرقع؛ للحديث السابق، ولأن القاعدة المعتبرة: اجتناب زي مخصوص، وذاك يختص بالملابس المعتادة.. أما اتخاذ شيء على هيئة خريطة وستر عضو به؛ فليس سترًا على زي مخصوص، وليس ملبوسًا مقصودًا. فإذا غطته بما لم يعد لستر الوجه ولم يكن من المخيط؛ جاز لها ذلك، ولم تلزمها الفدية، وهو ما عليه الفتوى.
قال العلامة ابن الرفعة الشافعي في كفاية النبيه: وفي تعليق القاضي أبي الطيب: أنه لا فدية عليها قولًا واحدًا؛ لأننا لو أوجبنا الفدية عليها لأوجبناها بالخضاب بما يستر يديها، ولأن الخرق ليست معمولة على قدر العضو؛ فأشبهت كميها تغطي بهما يديها.
وقال العلامة البجيرمي الشافعي في حاشيته على شرح المنهج: و حرم به على امرأة حرة أو غيرها ستر بعض وجهها بما يعد ساترًا.
وقال العلامة المليباري الهندي الشافعي في فتح المعين: ويحرم ستر امرأة، لا رجل، بعض وجه بما يعد ساترًا.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في المغني: وإنما منعت المرأة من البرقع والنقاب ونحوهما مما يعد لستر الوجه.
وقال علاء الدين المرداوي الحنبلي في الإنصاف: شمل قوله: لبس المخيط ما عمل على قدر العضو، وهذا إجماع ولو كان درعًا منسوجًا أو لبدًا معقودًا ونحو ذلك. قال جماعة: بما عمل على قدره وقصد به.
وأما ما نقل عن بعض فقهاء الحنابلة من القول باشتراط مجافاة الساتر عن الوجه، وعدم ملامسته: فقد نص جماعة من محققي المذهب على أنه قول ضعيف؛ لتعذره، ولعدم توفر الدليل على صحته.
قال الإمام ابن قدامة في المغني: ولم أر هذا الشرط -أي المجافاة- عن أحمد، ولا هو في الخبر، مع أن الظاهر خلافه، فإن الثوب المسدول لا يكاد يسلم من إصابة البشرة، فلو كان هذا شرطًا لبين، وإنما منعت المرأة من البرقع والنقاب ونحوهما، مما يعد لستر الوجه.
وقال الشيخ ابن القيم في تهذيب سنن أبي داود وإيضاح علله ومشكلاته: واشتراط المجافاة عن الوجه كما ذكره القاضي وغيره ضعيف لا أصل له دليلًا ولا مذهبًا.
وقال برهان الدين ابن مفلح في المبدع: وشرط القاضي في الساتر: ألا يصيب بشرتها، فإن أصابها ثم ارتفع بسرعة: فلا شيء عليها، وإلا فدت؛ لاستدامة الستر، وردّه المؤلف: بأن هذا الشرط ليس عن أحمد، ولا هو من الخبر، بل الظاهر منه خلافه؛ فإنه لا يكاد يسلم المسدول من إصابة البشرة، فلو كان شرطًا لبين.
ووافق بعض فقهاء الحنفية الشافعية والحنابلة في أن المنهي عنه في ستر وجه المحرمة هو ستره بشيء فصل على قدره، وهو من المسائل التي انفرد بها كمال الدين ابن الهمام فيما نقله عنه العلامة ابن عابدين في رد المحتار بقوله: أما ما في شرح الهداية لابن الكمال؛ من أنها لها ستره بملحفة وخمار، وإنما المنهي عنه ستره بشيء فصل على قدره كالنقاب والبرقع؛ فهو بحث عجيب أو نقل غريب مخالف لما سمعته من الإجماع، ولما في البحر وغيره.. ثم رأيت بخط بعض العلماء في هامش ذلك الشرح: أن هذا مما انفرد به المؤلف، والمحفوظ عن علمائنا خلافه وهو وجوب عدم مماسة شيء لوجهها. ثم رأيت نحو ذلك نقلًا عن منسك القطبي، فافهم.
قال صدر الدين ابن أبي العز الحنفي في التنبيه على مشكلات الهداية: قوله: ولأن المرأة لا تغطي وجهها، مع أن في الكشف فتنة؛ فالرجل بطريق الأولى فيه نظر؛ فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يشرع للمرأة كشف الوجه للرجال في الإحرام ولا غيره، خصوصًا عند خوف الفتنة، وإنما جاء النص بالنهي عن النقاب خاصًا كما جاء النهي عن القفازين، وزيد في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين» رواه أحمد، والبخاري، والنسائي، والترمذي وصححه. وقد تقدم أن القول بأن إحرام المرأة في وجهها إنما هو من كلام ابن عمر رضي الله عنهما، قال ابن المنذر: “وكانت أسماء ابنة أبي بكر رضي الله عنهما تغطي وجهها وهي محرمة”، وروينا عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: “المحرمة تغطي وجهها إن شاءت” انتهى. وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: “كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محرمات، فإذا جاوزوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه” رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه.
فالذي دلت عليه السنة: أن وجه المرأة كبدن الرجل؛ يحرم ستره بالمفصل على قدره؛ كالنقاب والبرقع، بل وكيَدها؛ يحرم سترها بالمفصل على قدر اليد كالقفاز، وأما سترها بالكم، وستر الوجه بالملحفة والخمار ونحوهما: فلم تنه عنه المرأة البتة.
ومن قال: “إن وجهها كرأس المحرم”؛ فليس معه نص، وإنما جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجهها كيدها؛ فلا تغطي وجهها بنقاب ونحوه، ولا يدها بقفاز ونحوه، وتغطيهما إذا شاءت بغير ذلك؛ هكذا فهمت أم المؤمنين عائشة وأسماء وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم، وليس قول بعضهم حجة على بعض بغير نص، فلا يصح قول المصنف أن المرأة لا تغطي وجهها مع ما فيه من الفتنة.
وقول من قال من الأصحاب وغيرهم إنها إذا سدلت على وجهها شيئًا تجافيه عنه؛ لم يرد فيه نص، قال ابن القاسم: وما علمت أن مالكًا كان يأمرها إذا سدلت رداءها أن تجافيه عن وجهها، ولا علمت كان ينهاها عن أن يصيب الرداء وجهها إذا سدلته.
حكم لبس الكمامة الطبية للمحرم بالحج أو العمرة
معلوم أن الكمامة الطبية التي تقي الحجاج من انتشار العدوى، لم تعد في الأصل لستر الوجه وتغطيته كالنقاب، وليس ذلك هو المقصود منها، وإنما أعدت للوقاية من العدوى بمنع تناقل الرذاذ من شخص مصاب بمرض إلى غيره، دون أن يكون ستر الوجه هو المراد منها، بدليل تحقق شروط الكمامة الطبية في الكمامات الشفافة التي تصنع من مادة السيلكون، والكمامات الدائرية التي لا تغطي إلا الفم والأنف فقط بحيث يظهر باقي الوجه من حولها، فلا يصح جريان حكم النقاب على الكمامة في كونها محظورة على المرأة المحرمة، إذ غايرت النقاب في الهيئة وفي المقصد؛ كما سبق بيانه.
وقد تواردت النصوص الشرعية على تغطية الصحابيات رضي الله عنهن وجوههن وهن محرمات بغير النقاب، ولم يرد عنهن أنهن أخرجن في ذلك الفدية على ذلك؛ لأن المحظور فعله عليهن هو تغطية الوجه بالنقاب خاصة أو بما كان معدًّا لستر الوجه وقصد به ذلك.
فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: “كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محرمات، فإذا حاذوا بنا أسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه” أخرجه الإمام أحمد في المسند، وأبو داود والبيهقي في السنن، وابن أبي شيبة في المصنف.
وعن فاطمة بنت المنذر أنها قالت: “كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات، ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما” أخرجه الإمام مالك في الموطأ، والإمام أحمد وإسحاق بن راهويه في المسند.



