ما حكم صلاة السنن لمن عليه فوائت؟.. دار الإفتاء توضح
في ظل كثرة الأسئلة والاستفسارات حول أحكام العبادات، لا سيما ما يتعلق بقضاء الصلوات الفائتة، تبرز تساؤلات متكررة من المصلين حول مدى جواز أداء السنن والنوافل لمن كانت في ذمته صلوات لم يقم بقضائها بعد؟
ما حكم صلاة السنن لمن عليه فوائت؟..
أكدت دار الإفتاء بجواز أداء السنن، وصلاة العيدين، وصلاة الجنازة، وصلاة التراويح، لمن كان عليه فوائت، ولا يُعد فعله لهذه النوافل محرمًا ولا مكروهًا بمجرد وجود الفوائت في ذمته
أوضحت الدار أن العلماء ذكروا في كتب المذهب أن الاشتغال بقضاء الصلوات الفائتة مقدَّم وأولى من الانشغال بالنوافل. فقد نقل الطحطاوي في حاشيته على الدر، كما نقل ابن عابدين في رد المحتار عن كتاب المضمرات، قوله: “إن قضاء الفوائت أهم من أداء النوافل، باستثناء سنن الصلوات المفروضة، وصلاة الضحى، وصلاة التسابيح، والصلوات التي وردت في فضلها النصوص” انتهى.
وأضاف ابن عابدين موضحًا أن من هذه النوافل: تحية المسجد، والأربع قبل العصر، والست بعد المغرب.
وجاء في الدر المختار في باب العوارض المبيحة لترك الصوم: “إن قضاء الصوم واجب على التراخي، ولذلك يجوز التطوع به قبل القضاء، بخلاف قضاء الصلاة” انتهى.
وشرح الطحطاوي ذلك بقوله: إن قضاء الصلاة يكون على الفور، مستدلًا بحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها»، فجواب الشرط لا يؤخر عن شرطه. ثم أشار إلى أن ظاهر كلام الفقهاء يفيد كراهة التطوع لمن عليه فوائت، إلا أنه ذكر أن الحكم المتقدم هو الكراهة فقط، وذلك باستثناء الرواتب وبعض النوافل ذات الفضائل الخاصة، كما سبق نقله عن المضمرات.
وبناءً على ذلك: يتبين جواز أداء السنن، وصلاة العيدين، وصلاة الجنازة، وصلاة التراويح، لمن كان عليه فوائت، ولا يُعد فعله لهذه النوافل محرمًا ولا مكروهًا بمجرد وجود الفوائت في ذمته
ما حكم قضاء الصلوات الفائتة سواء عمدا أو نسيانا؟
أكدت دار الإفتاء أن قضاء الصلاة المفروضة التي فاتت واجبٌ، سواء فاتت بعذرٍ غير مسقطٍ لها، أو فاتت بغير عذر، ولا يرتفع الإثم بمجرد القضاء، بل يجب معه التوبة، كما لا ترتفع الصلاة بمجرد التوبة، فإن القضاء واجب؛ لأن من شروط التوبة الإقلاع عن الذنب، والتائب بدون قضاء غير مقلع عن ذنبه.
وجوب أداء الصلاة في وقتها
لقد فرض الله علينا الصلاة وجعل لها أوقاتًا تؤدى فيها؛ فقال سبحانه: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ [النساء: ١٠٣]، وامتدح المحافظين عليها في أوقاتها فقال سبحانه: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾ [المعارج: ١٩-٢٣]، وحذر من التهاون بها؛ فقال سبحانه: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ [مريم: 59]، وقال جل شأنه: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ [الماعون: ٤-٥].
حكم قضاء الصلوات الفائتة نسيانًا أو لعذر
من المقرر أن الفرائض الخمس قد أوجبها الله سبحانه وتعالى على كل مسلمٍ مكلَّفٍ في أوقاتٍ محددة، ويأثم المسلم بتأخير الصلاة عن وقتها لغير عذر، وقد أخرج الشيخان بسنديهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا، لَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ».
والعبد إذا ابتلي بالتقصير في الصلاة عمدًا أو بعذرٍ لنومٍ أو نسيانًا وجب أن يقضي ما عليه من فوائت بقدر طاقته، وقد أجمع الفقهاء على وجوب قضاء الصلاة الفائتة نسيانًا أو لعذر؛ قال العلامة ابن بزيزة المالكي في “روضة المستبين في شرح كتاب التلقين”: [وقد انعقد الإجماع على وجوب قضاء الصلوات الفوائت بنسيان أو نوم] .
ولا يجوز تأخير القضاء إلا لعذرٍ، كالسعي لتحصيل الرزق وتحصيل العلم الواجب عليه وجوبًا عينيًّا، وكالأكل والنوم.
حكم قضاء الصلوات المتروكة عمدًا
قد اختلف الفقهاء في الصلاة المتروكة عمدًا؛ قال العلامة ابن بزيزة المالكي في “روضة المستبين”: [واختُلف في المتروك عمدًا، والجمهور على وجوب قضائها بعد التوبة والاستغفار] .
وقال العلامة بدر الدين العيني الحنفي في “البناية شرح الهداية”: [(ومن فاتته صلاة قضاها إذا ذكرها) سواء كان فوتها ناسيًا، أو بغير عذر النسيان أو عامدًا، وبه قال مالك والشافعي، وقال أحمد وابن حبيب: لا يقضي المتعمد في الترك] .
وإنما قال الجمهور بقضاء الصلاة المتروكة عمدًا؛ قياسًا على التنبيه بالأدنى على الأعلى؛ فقد نبَّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الصلاة المنسية فيما رواه الإمام البخاري عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ نَسِيَ صَلاةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا، لا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ»، وهي أدنى من المتعمد تركها، فالأعلى تدخل في التنبيه من باب أولى.



