هل يجوز دعوة الناس إلى صلاة قيام الليل في جماعة .. أم تعد من البدع؟
أكدت دار الإفتاء أن دعوة الناس إلى الاجتماع لقيام الليل في جماعةٍ وسيلةٌ للعبادةِ وليست عبادةً، فلا يُعدّ ذلك بدعةً؛ لأنه من قبيل الدعوةِ إلى فعلِ الخيراتِ والتعاونِ على البرِّ والتقوى، وهذا أمرٌ مأمورٌ به شرعًا. مع التنبيهِ على ضرورةِ التنسيقِ مع الجهةِ الموكولِ إليها رعايةُ أمرِ المساجدِ والإشرافُ عليها.
حكم أداء صلاة النافلة في جماعة
من المقرر شرعًا أنَّ صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «صَلاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» رواه الإمام مالك، وهو متفق عليه، وغير ذلك من الأحاديث الشريفة.
ولقد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه صلى النوافل في جماعة؛ مثل قيام الليل؛ لما حدث أن خرج في رمضان فصلى وصلى خلفه الصحابة، وجاء في الليلة الثانية فصلى وصلى وراءه جمع أكثر، وفي الليلة الثالثة احتجب صلى الله عليه وآله وسلم عنهم فلم يخرج عليهم، فلما سئل سيدنا رسول الله عن ذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم: «خَشِيتُ أَن تُفْرَضَ عَلَيكُمْ» متفق عليه.
والصلاة التي صلاها سيدنا رسول الله لا تخرج عن كونها من قيام الليل. ولما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن جدته مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لطعام صنعته فأكل منه، ثم قال: «قُومُوا فَلأُصَلِّيَ لكُمْ»، قال أنس بن مالك: فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لُبس، فنضحته بماء، فقام عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز وراءنا، فصلى لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ركعتين، ثم انصرف. وفي رواية أخرى لمسلم عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما هو إلا أنا وأمي وأم حرام خالتي، فقال: «قُومُوا فَلأُصَلِّيَ بِكُمْ» – في غير وقت صلاة – فصلى بنا. ثم دعا لنا أهل البيت بكل خير من خير الدنيا والآخرة.
ترك النبي عليه السلام لفعل ومدى دلالته على الحكم الشرعي
من المقرر شرعًا لدى علماء الأصول أن فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدل على عدم التحريم فقط، ويتسع للأحكام الأربعة الأخرى: الوجوب والندب والإباحة والكراهة. فقد صلى الفريضة وهي واجبة، وصلى الراتبة وهي مندوبة، وأكل وشرب وهو مباح، وشرب قائمًا وبال قائمًا وهو مكروه؛ ليدل على الجواز.
وفي المقابل فإن ترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم لفعل ما يدل على عدم الوجوب فقط، ويتسع للأحكام الأربعة الأخرى وهي الحرمة والكراهة والإباحة والندب. فقد ترك الكذب وهو حرام، وترك الإسراف في الوضوء وهو مكروه، وترك أكل الضب وهو مباح، وترك صيام داود عليه السلام يومًا ويومًا وهو مندوب.
والترك وحده إن لم يصحبه نص على أن المتروك محظور لا يكون حجة في ذلك، بل غايته أن يفيد أن ترك ذلك الفعل مشروع، أما أن ذلك المتروك محظور فلا يستفاد من الترك وحده، وإنما من دليل يدل عليه.
وقد يترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم الشيء لعدة أسباب غير التحريم، مثل:
– أن يكون تركه عادة كما في تركه أكل الضب.
– أن يكون تركه نسيانًا كما في سهوه في الصلاة.
– أن يكون تركه خشية أن يُفرض على أمته كما في صلاة التراويح.
– أن يكون تركه لعدم التفكير فيه كما في المنبر.
– أن يكون تركه لدخوله في عموم النصوص.
– أن يكون تركه خشية تغيير قلوب الصحابة.
فهم وسائل العبادة
يجب فهم أن كون العبادة توقيفية لا يعني التقيّد في وسائل العبادة؛ لأن العبادة هي المقصد والوسائل متعددة. فالصلاة عبادة، والوصول إلى المسجد بالدابة أو السيارة وسيلة. وضبط الصف وسيلة، ويصح بالخط والرسم والخيط وما شابه، ولا يسمى ذلك بدعة.
حكم الدعوة إلى أداء صلاة قيام الليل في جماعة
وعلى ذلك: فالاجتماع لصلاة النافلة في المسجد هو العبادة، والدعوة إليها والاتفاق على يوم معين للاجتماع وسيلة وليست عبادة. فلا يُعترض عليها؛ لأنها من قبيل الدعوة إلى فعل الخيرات والتعاون على البر والتقوى. وقد كان السلف الصالح يتفقون على أعمال الخير كدروس العلم ومجالس الذكر



