رمضان قرني: القاهرة ترسخ آليات واقعية لإعادة البناء بعد النزاعات في أفريقيا
قال الدكتور رمضان قرني، الخبير في الشأن الأفريقي، إن ملف إعادة الإعمار والتنمية بعد النزاعات أصبح أحد أهم أولويات السياسة الخارجية المصرية خلال السنوات الماضية، موضحًا أن الاهتمام المصري بهذا الملف برز بوضوح منذ عام 2019 مع تولي مصر رئاسة الاتحاد الأفريقي، وما تبعه من إنشاء مركز الاتحاد الأفريقي لإعادة الإعمار والتنمية، ثم استضافة القاهرة له عام 2020، إلى جانب إطلاق منتدى أسوان للسلام والتنمية الذي ركّز بشكل أساسي على قضايا إعادة الإعمار في القارة، مؤكدًا أن هذا التوجّه يعكس قناعة مصر بأن إعادة البناء والتنمية هي إحدى الأدوات المحورية لتعزيز الاستقرار داخل إفريقيا.
وأضاف قرني ، في تصريحات خاصة لـ«نيوز رووم»، أن شعار الدورة الحالية لأسبوع الاتحاد الأفريقي لإعادة الإعمار والتنمية الذي تستضيفه القاهرة تحت عنوان "إعادة بناء الحياة بعد النزاع من خلال العدالة التعويضية"، يضع على الطاولة مجموعة واسعة من القضايا المرتبطة بمستقبل الدول الخارجة من الصراعات. وأشار إلى أن مصر تبذل جهودًا كبيرة لدعم الملكية الوطنية الأفريقية في عمليات الإعمار، انطلاقًا من إيمانها بأن الدول الإفريقية هي الأقدر على قيادة عمليات البناء في مجتمعاتها.
وأوضح أن القاهرة لم تكتفِ بطرح رؤى أو المبادرة بإنشاء المراكز المعنية بالإعمار، بل قدمت أيضًا أدوات تنفيذية واضحة، على رأسها استضافة مركز الاتحاد الأفريقي لإعادة الإعمار والتنمية، باعتباره أحد أهم الأذرع الفنية للاتحاد في هذا المجال، كما لعب منتدى أسوان للسلام والتنمية دورًا بالغ الأهمية خلال دوراته المتتالية في إبراز قضايا الإعمار كإحدى أولويات الأمن والاستقرار في القارة.
وأشار الخبير في الشأن الأفريقي إلى أهمية الدور الذي يقوم به مركز القاهرة لتسوية المنازعات وحفظ السلم والأمن، التابع لوزارة الخارجية، والذي يُعد من أبرز مراكز تسوية النزاعات في إفريقيا وعلى المستوى الدولي، حيث نظم عشرات الدورات لبناء قدرات الكوادر الأفريقية في مجالات حفظ السلام وإدارة النزاعات، كما تعمل الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية في نحو 26 مجالًا تنمويًا داخل إفريقيا، وهو ما يجعلها عنصرًا جوهريًا في جهود الإعمار والتنمية.
وأوضح قرني أن الفلسفة المصرية في هذا الملف تقوم على ثلاث ركائز أساسية. الأولى: الواقعية السياسية والاقتناع بأن كل صراع، مهما طال، سينتهي في لحظة ما، ما يفرض ضرورة الاستعداد لمرحلة إعادة بناء الدولة فور توقف النزاع. أما الركيزة الثانية فهي الحلول الأفريقية للمشكلات الأفريقية، وهو مبدأ تبنته مصر بقوة منذ 2019، ويقوم على دعم الكوادر الوطنية في إدارة ملفات الإعمار ومكافحة الإرهاب، خصوصًا في مناطق الساحل والصحراء.
أما الركيزة الثالثة، فتتمثل في إدراك محدودية الموارد الأفريقية والحاجة الملحّة إلى تمويل عادل لعمليات التنمية، ومن هنا جاءت التحركات المصرية لخلق شراكات ثلاثية تضم الحكومات الأفريقية ومؤسسات التمويل الدولية والقطاع الخاص، مع التواصل المستمر مع شركاء دوليين مثل الجايكا اليابانية والبنك الإسلامي للتنمية، مشيرًا كذلك إلى أن مصر تلعب دورًا مهمًا في الدعوة إلى إسقاط الديون عن الدول الأفريقية بما يساعدها على إعادة البناء وتحقيق تنمية مستدامة.
وأكد قرني أن القاهرة تحذر دائمًا من الاستقطاب الدولي الذي تدفع إفريقيا ثمنه، وتدعو إلى حوكمة أكثر عدالة لمؤسسات النظام الدولي، وعلى رأسها مجلس الأمن، كما تعمل مصر على تعزيز التعاون بين مؤسسات التمويل الدولية والقطاع الخاص والمجتمع المدني الأفريقي، لصياغة رؤية أفريقية متكاملة لمرحلة ما بعد النزاعات.
وختم الخبير الأفريقي تصريحاته بالتأكيد على أن مصر لا تكتفي بإطلاق المبادرات، بل تتبنى نموذجًا متكاملًا يجمع بين الرؤية والأدوات التنفيذية لتفعيل ملف إعادة الإعمار والتنمية في القارة بشكل عملي ومستدام.