سبب لمغفرة الذنوب| ما حكم بر الوالدين وطاعتهما على الأبناء وكيف نحققه؟
قالت الدكتورة رحاب الشحات مدرس الفقه المقارن بجامعة الأزهر، خلال حديثها عن بر الوالدين: «ما أجملها وأكرمها من نعمة مَنَّ الله تعالى بها علينا، نعمة الوالدين».
حكم بر الوالدين وطاعتهما
وأوضحت أن بر الوالدين وطاعتهما فرض عين على الأبناء؛ فهما وصية رب العالمين: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ﴾ (الأحقاف: ١٥)، وبر الوالدين من أقرب الطرق إلى الجنة، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قلت " يا نَبِيَّ اللهِ، أيُّ الأعْمالِ أقْرَبُ إلى الجَنَّةِ؟ قالَ: الصَّلاةُ علَى مَواقِيتِها قُلتُ: وماذا يا نَبِيَّ اللهِ؟ قالَ: برُّ الوالِدَيْنِ. قُلتُ: وماذا يا نَبِيَّ اللهِ؟ قالَ: الجِهادُ في سَبيلِ اللَّهِ." ( أخرجه مسلم في صحيحه)
كما أن رضا الوالدين من رضا رب العالمين، وليس هذا فحسب، بل إن برهما سبب لمغفرة الذنوب، والخير والبركة كلها في دعائهما .
فإن أردتم الفوز والنجاة في الدنيا والآخرة فعليكم ببر الوالدين، أو أحدهما، أحياءً وأمواتًا.
وشددت: الحذر الحذر من عقوقهما وغضبهما، والإساءة إليهما، بل احذروا من التأفف والتضجر منهما أو من خدمتهما، أو من إدخال الحزن على قلبيهما، فهما بابك للجنة وطريق سعادتك في الدارين.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه: " رَغِمَ أنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُهُ قيلَ: مَنْ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: مَن أدْرَكَ والِدَيْهِ عِنْدَ الكِبَرِ، أحَدَهُما، أوْ كِلَيْهِما، ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ." ( أخرجه مسلم في صحيحه)
ومعنى رَغِمَ أنْفُهُ أي: لُصِقَ أَنْفُه بالتراب، وهو كناية عن: الذل والخزي والخسران.
كذلك البر من أسباب إجابة الدعاء حسبما ذكر إمام وخطيب المسجد الحرام ياسر الدوسري، فقد كان عمر بن الخطاب إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم: أفيكم أويس بن عامر؟ حتى أتى على أويس فقال له: أنت أويس ابن عامر؟ قال: نعم، قال: من مراد ثم من قرن؟ قال: نعم. قال: فكان بك برص، فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم. قال: لك والدة؟ قال: نعم. قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد، ثم من قرن كان به برص، فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل فاستغفر لي فاستغفر له، فقال له عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة، قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟ قال: أكون في غبراء الناس أحب إلي، فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم، فوافق عمر، فسأله عن أويس، فقال: تركته رث البيت قليل المتاع، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد من أهل اليمن من مراد، ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك، فافعل فأتى أويسا، فقال: استغفر لي. قال: أنت أحدث عهدا بسفر صالح، فاستغفر لي. قال: لقيت عمر؟ قال: نعم، فاستغفر له، ففطن له الناس، فانطلق على وجهه.
ما يعين على بر الوالدين
وقال خطيب المسجد الحرام: «مما يعين على بر الوالدين استحضار جميع صنيعمها وجميل صبرهما في تربيته ورعايته ويتذكر الإنسان أنه موقوف بين يدي الله ومسئول عن هذا الحق العظيم، يقول تعالى: «وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ»، وأن الخذلان والخسران في تركهما ومسامرة غيرهما.
بر الوالدين بعد رحيلهما
وأوضح أن بر الوالدين لا ينقطع بوافاتهما أو رحيل أحدهما وذلك بالدعاء لهما وصلة رحمهما، مبينا أن القول الكريم لم يأت في القرآن سوى في موضع واحد وهو الحديث عن الوالدين فقال جل شأنه: «وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا».
وحذر أن من أعظم الكبائر عقوق الوالدين وصوره لا تحصى منها الإغلاظ في الكلام والاستخفاف بدمعة الوالدين وإهمال الواجبات والاستهزاء بما هم عليه من الأعراف والعادات.

