ما حكم تأخير صلاة الوتر لآخر الليل وأداؤها في البيت؟
أوضحت دار الإفتاء المصرية أن صلاة الوتر وغيرها من النوافل الأفضلُ فيها أن تكون في البيت؛ ففي الحديث المتفق عليه عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «صَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ أَفْضَلَ صَلاَةِ المَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الصَّلاَةَ المَكْتُوبَةَ».
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا قَضَى أَحَدُكُمُ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِهِ، فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ نَصِيبًا مِنْ صَلَاتِهِ، فَإِنَّ اللهَ جَاعِلٌ فِي بَيْتِهِ مِنْ صَلَاتِهِ خَيْرًا» رواه مسلم في “صحيحه”.
وتأخير الوتر لمَنْ يغلبُ على ظنه أنَّه يستيقظ أفضلُ من صلاتها أول الليل؛ ففي الحديث الذي رواه مسلم في “الصحيح” عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ، وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ، فَإِنَّ صَلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ».
لمن ينوي صلاة قيام الليل.. هل تجوز الصلاة بعد الوتر؟
في ظل حرص كثير من المسلمين على تأدية قيام الليل لما له من فضل كبير يبرز تساؤل هل تجوز الصلاة بعد الوتر؟ وفي هذا السياق أوضحت دار الإفتاء متى استيقظ المسلم من ليلته وأرد أن يُصلِّي شيئًا من قيام الليل بعدما نام على وترٍ: فإنه يجوز له ذلك من غير حاجة إلى أن يشفع الوتر الذي أتي به أول الليل بركعة، ولا يلزم أن يأتي بوترٍ آخر بعد الانتهاء من الصلاة.
حكم صلاة الوتر
صلاة الوتر سنةٌ مؤكدةٌ عند جمهور الفقهاء، وسمِّيت بـ"الوتر" لأنها تصلَّى بعددٍ وتر -أي: فردي- ركعةً واحدةً، أو ثلاثًا، أو أكثر، وتؤدى بين صلاة العشاء وطلوع الفجر.
بيان اختلاف الفقهاء في حكم نقض الوتر وكيفية الصلاة بعده
يرى جمهور الفقهاء من الحنفيّة، والمالكيّة، والشافعية في المشهور عندهم، والحنابلة، والظاهرية، أنَّ مَن صلى الوتر، ثم أراد أن يصلي مِن ليلته ما كُتب له، أنَّه يجوز له ذلك، مِن غير حاجة إلى أن يأتي بركعة منفردة يشفع بها وتره، وهو المروي عن جماعة من الصحابة؛ منهم: أبو بكر الصّديق، وأم المؤمنين عائشة، وابن عباس في المشهور عنه، وسعد بن وقاص، وعمّار بن ياسر، وعائذ بن عمرو رضوان الله عليهم أجمعين، وجماعة من التابعين؛ منهم: الأزواعيّ، والنخعيّ، وعلقمة، وطاووس، وأبو ثور.
فعَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ قَالَ: زَارَنَا أَبِي فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَأَمْسَى عِنْدَنَا وَأَفْطَرَ، وَقَامَ بِنَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَأَوْتَرَ بِنَا، ثُمَّ انْحَدَرَ إِلَى مَسْجِدِهِ فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ، حَتَّى بَقِيَ الْوِتْرُ، ثُمَّ قَدَّمَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: أَوْتِرْ بِأَصْحَابِكَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ» أخرجه الأئمة: أبو داود والترمذي والنسائي في "السنن".
وعَنْ أَبِي عَطِيَّةَ، عَنْ أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَ: ذُكِرَ لَهَا الرَّجُلُ يُوتِرُ، ثُمَّ يَسْتَيْقِظُ فَيَشْفَعُ بِرَكْعَةٍ، قَالَتْ: "ذَاكَ الَّذِي يَلْعَبُ بِوِتْرِهِ" أخرجه البيهقي في "سننه"، وعبد الرزاق وابن أبي شيبة في "مصنفيهما".
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: "مَنْ أَوْتَرَ أَوَّلَ اللَّيْلِ ثُمَّ قَامَ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ" أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف".
وقد تواردت نصوص الفقهاء على عدم مطلوبية إعادة الوتر لمن أوتر ثمَّ أراد أن يصلي من ليلته بعد ذلك، قال العلَّامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار" (1/ 369، ط. دار الفكر): [(قوله: فإن فاق إلخ) أي: إذا أوتر قبل النوم، ثم استيقظ: يصلي ما كُتب له، ولا كراهة فيه، بل هو مندوب، ولا يعيد الوتر] اهـ.
وقال الشيخ الخرشي المالكي في "شرحه على مختصر خليل" : [وإذا قدَّم الوتر ثم صلى نافلة فإنه لا يعيد الوتر؛ لخبر: «لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ»] .
وقال الإمام ابن عبد البر المالكي في "الاستذكار" موضحًا عدم تشفيع الوتر بركعة ثانية: [محال أن يشفع ركعة قد سلم منها، ونام مصليها، وتراخى الأمر فيها، وقد كتبها الملك الحافظ وترًا، فكيف تعود شفعًا؟! هذا ما لا يصح في قياس ولا نظر] .
وقال الإمام محيي الدين النووي الشافعي في "المجموع" : [إذا أوتر قبل أن ينام، ثم قام وتهجد: لم ينقض الوتر على الصحيح المشهور، وبه قطع الجمهور، بل يتهجد بما تيسر له شفعًا.. لحديث طلق بن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ» رواه أبو داود والترمذي والنسائي: قال الترمذي: "حديث حسن"] .
وقال الإمام موفق الدين ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 120، ط. مكتبة القاهرة): [ومَن أوتر مِن الليل، ثم قام للتهجد؛ فالمستحب: أن يصلي مثنى مثنى، ولا ينقض وتره. روي ذلك عن: أبي بكر الصديق، وعمار، وسعد بن أبي وقاص، وعائذ بن عمرو، وابن عباس، وأبي هريرة، وعائشة. وكان علقمة لا يرى نقض الوتر. وبه قال: طاوس، وأبو مجلز. وبه قال: النخعي، ومالك، والأوزاعي، وأبو ثور] اهـ.



