هل تقترب ساعة الصفر؟ وساطات إقليمية مكثفة لوقف نزيف الدم في السودان
وقف الحرب في السودان، في الوقت الذي تتصاعد فيه النزاعات داخل دولة السودان وتصبح أكثر تعقيداً بفعل التدخلات الإقليمية، يستعد الجمهور الدولي لمرحلة مفصلية: هل بات وقف الحرب أمراً واقعياً؟
وقف الحرب في السودان
فمن جهة، أعلنت كل من مصر، الإمارات العربية المتحدة، السعودية، والولايات المتحدة الأميركية عن “نداء جماعي” لإنهاء الصراع، بعد سيطرة قوات الدعم السريع على مناطق استراتيجية.
هدنة تمتد لـ3 أشهر في السودان
وأكد كبير مستشاري الرئيس الأميركي لشؤون الشرق الأوسط مسعد بولس، أن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع وافقا على هدنة تمتد لـ3 أشهر، استنادا إلى خطة المجموعة الرباعية التي تضم الإمارات والولايات المتحدة والسعودية ومصر، المعلنة في 12 من سبتمبر الماضي.
وأوضح بولس في تصريحات أدلى بها من القاهرة، أن مناقشات فنية ولوجستية جارية قبل التوقيع النهائي على الهدنة، مشيرا إلى أن ممثلي الطرفين موجودون في واشنطن منذ فترة لبحث تفاصيلها.
فرصة حقيقية لإنهاء الأزمة في السودان
وأضاف أن مقترح الهدنة يمثل فرصة حقيقية لإنهاء الأزمة، مؤكدا أن الجيش والدعم السريع منخرطان في مناقشة ورقة قدمتها الولايات المتحدة بدعم من الرباعية تهدف إلى تحقيق السلام.
وفي التقرير التالي يرصد لكم موقع نيوز رووم، أراء الخبراء والمتخصصون عن احتمالية وقف الحرب في السودان وخاصة بعد نداء كلًا من مصر والإمارات والسعودية إنهاء الصراع في السودان..
مجازر الفاشر أعادت ملف السودان إلى الواجهة
قال الدكتور رمضان قرني، الخبير في الشأن الإفريقي، إنّ «الفضائع التي شهدتها مدينة الفاشر خلال الأيام العشرة الماضية منذ سيطرة قوات الدعم السريع أعادت الملف السوداني إلى مقدمة الأولويات الدولية والإقليمية»، موضحًا أن «حجم الانتهاكات الإعلامي والدولي، إلى جانب الانخراط السياسي الإقليمي، شكّل دافعًا قويًا لتحريك القضية السودانية بعدما كانت لفترة طويلة تعاني نوعًا من التغاضي أو التهميش الدولي».
وأضاف قرني أن «السودان منذ اندلاع الحرب في إبريل 2023 كان يعاني إهمالًا إقليميًا ودوليًا نسبيًا نتيجة تعدد ملفات الصراع في العالم (غزة وأوكرانيا) وتحولات في إدارة السياسات لدى بعض الدول الكبرى»، لكنه رأى أن «ما جرى في الفاشر كان نقطة فاصلة أعادت الضغط الدولي على الأطراف السودانية».
تفعيل آلية رباعية تقودها الولايات المتحدة ومصر
وأوضح قرني أن هذه الضغوط أسفرت عن تفعيل آلية رباعية تقودها الولايات المتحدة ومصر والإمارات والسعودية، «والهدف الآن هو الوصول إلى هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر»، لافتًا إلى أن هناك مؤشرات عملية على تقدم في هذا المسار.
وأشار إلى أن مستشار البيت الأبيض لشؤون إفريقيا، موسى عادبوليس، أعلن أن الجيش السوداني لا يمانع مبدئيًا مبادرة الهدنة، وأنّ المفاوضات انتقلت إلى مرحلة مناقشة التفاصيل، مضيفًا أن «هذه التصريحات الأمريكية جاءت نتيجة حملة دبلوماسية مكوكية قادها المبعوث شملت زيارات إلى القاهرة والرياض ولندن ومدن إقليمية أخرى».
وقف إطلاق النار وإنفاذ هدنة إنسانية
وقال قرني إنّ «ثمة ورقة أمريكية تسري بين الأطراف تضمنت مبادئ عامة لوقف إطلاق النار وإنفاذ هدنة إنسانية على كامل التراب السوداني»، مشددًا على أن «التوازن الآن يجمع بين ضغط رباعي دولي وجولات تفاوضية إقليمية ودولية».
من ناحية أخرى، نوّه الخبير بوجود جهود مصرية مكثفة لعقد ملتقى سياسي واسع يجمع المكونات المدنية السودانية لمناقشة آليات إطلاق حوار سوداني–سوداني يركّز على الحل الداخلي بعيدًا عن التدخل الخارجي. وأكد أن «الملتقى المصري يستهدف مسارين متوازيين: مسار مدني يناقش الانتقال الديمقراطي وإعادة بناء المؤسسات، ومسار أمني ينسق آليات تثبيت وقف إطلاق النار حال الوصول إليه».
قوات الدعم السريع أبدت مرونة نسبية أمام مبادرة الرباعية
كما لفت إلى أن فرنسا وسويسرا احتضنتا جولات تفاوضية بين القوى السياسية السودانية، ما يعكس تدشين عملية سياسية دولية متكاملة: «هدنة إنسانية مقترحة، ودعم لعملية سياسية يقودها الفاعلون السودانيون بدعم دولي».
وحول موقف الأطراف الميدانيين، رأى قرني أن «قوات الدعم السريع أبدت مرونة نسبية أمام مبادرة الرباعية، وربما ترى في المشاركة السياسية المستقبلية هدفًا استراتيجيًا لها»، بينما بدا الجيش السوداني «يحرص على موازنة مصلحته: من جهة يرحب رسميًا بالمقترح الأمريكي لفرض هدنة إنسانية، ومن جهة أخرى يستعد عسكريًا لمواصلة الاستعدادات ضد وجود قوات الدعم السريع». وأضاف أن ذلك يعكس «سعي الجيش لأن يحافظ على صورته أمام المجتمع الدولي وفي الوقت نفسه إعادة ترتيب أوراقه الميدانية».
فرصة دبلوماسية وعملية لإيقاف إراقة المزيد من الدماء
وأكد الدكتور رمضان قرني، في تحليله على أن المشهد الراهن يشير إلى «فرصة دبلوماسية وعملية لإيقاف إراقة المزيد من الدماء، لكن نجاح أي هدنة يتطلب ضمانات دولية وإقليمية فعّالة، ومشاركة حقيقية للأطراف السياسية السودانية في بناء حل مستدام»، كما أن هناك تمسك شعبي بالقضاء على الدعم السريع من خلال تحرك شعبي وتعبئة شعبية عامة، كما أن السفرات السودانية في الخارج تتحرك تطالب المجتمعه الدولي بتصنيف الدعم السريع كجماعة أو تنظيم إرهابي.
واختتم حديثة قائلًا: أن هناك تحرك إقليمي ودولي وتوافق بين طرفي الحرب بأن هناك هدنة إنسانية في السودان وليس قرار نهائي بوقف الحرب بأعتبار أن قرار وقف الحرب هو قرار بعيد المدى وخاصة وأن كل طرف يريد أن يتمسك بمكتسباته على أرض الواقع.
تفاقم القتال قد يحول المدينة إلى بؤرة كارثية
أعرب عمرو حسين الكاتب والمحلل السياسي، عن بالغ القلق إزاء تطور الأوضاع الميدانية في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور، وذلك في ظل استمرار الاشتباكات العنيفة بين قوات الدعم السريع والقوات الموالية للجيش السوداني، محذرًا من أن تفاقم القتال قد يحول المدينة إلى بؤرة كارثية جديدة تزيد من اتساع رقعة المأساة الإنسانية في السودان.
وأضاف حسين في تصريحات خاصة لـ "نيوز رووم"، أن ما تشهده الفاشر ليس مجرد مواجهة عسكرية عابرة، بل هو صراع على معادلة النفوذ داخل دارفور، حيث تمثل المدينة آخر مركز حضري كبير لم يحسم عسكريًا لأي من الطرفين، ما يجعل السيطرة عليها ذات أبعاد استراتيجية تتجاوز حدود الجغرافيا المحلية إلى ميزان القوة في المشهد السوداني كله.
هدنة إنسانية مؤقتة
وأوضح المحلل السياسي، أن هناك محاولات دولية وإقليمية لإقناع الجانبين بقبول هدنة إنسانية مؤقتة بهدف فتح ممرات آمنة للمدنيين وإيصال الإغاثة، إلا أن فرص نجاح هذه الهدنة ما زالت تعتمد على حسابات الأطراف، وليس على الاحتياجات الإنسانية وحدها، مشيرًا إلى أن كل طرف يحاول استخدام الميدان كورقة تفاوض مستقبلية.
وأضاف "حسين"، أن الجيش السوداني يتعامل مع الهدنة بحذر شديد، خشية أن تتحول إلى فرصة لإعادة تموضع قوات الدعم السريع داخل وحول الفاشر، بينما ترى قوات الدعم السريع أن أي هدنة قد تُقبل فقط إذا تزامنت مع مكسب تفاوضي أو اعتراف سياسي بواقع سيطرتها في مناطق واسعة من الإقليم.
وقف إطلاق نار محدود بالسودان
وأكد "حسين"، أن الضغوط الدولية، خاصة من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، قد تنجح في فرض وقف إطلاق نار محدود خلال الفترة المقبلة، لكنه سيكون وقفًا هشًا ومؤقتًا ما لم يُستتبع بانخراط الطرفين في مفاوضات سياسية جادة تتسم بضمانات واضحة وليست مجرد وعود دبلوماسية.
واختتم حسين تصريحه بالتأكيد على أن السودان لن يستعيد استقراره عبر معادلة الغلبة العسكرية، بل من خلال تسوية شاملة تعيد بناء الدولة وتضع انتقالًا سياسيًا حقيقيًا تحت رقابة وضمانات دولية وإقليمية، محذرًا من أن استمرار المعارك في الفاشر قد يفتح الباب أمام فصل جديد أكثر عنفًا وفوضى إذا لم يتحرك المجتمع الدولي بجدية تتجاوز لغة بيانات الإدانة.