ما هو الفرق بين الخصام والهجر.. وأقل مدة ينتهي بها الخصام؟
يتساءل الناس عن الفرق بين الخصام والهجر فقد راعى الشرع الشريف ما تكون النفس الإنسانية مجبولة عليه من الصفات التي من شأنها أن تُقَرِّبَ الناس من بعضهم أو تُبْعِدَهُم، فأذِن بالهجر لأيامٍ لا تزيد على الثلاثة كأصلٍ عامٍّ
أكدت دار الإفتاء أن الشرع الشريف نهى عن استمرار الخصام والهجران بين المسلمين أكثر من ثلاثة أيام، موضحةً أن أقل ما يتحقق به الخروج من الهجران المنهي عنه هو إلقاء السلام بين المتخاصمين، ويُستحب بعد ذلك تبادل الكلام والعودة إلى ما كانت عليه العلاقة من المودة قبل وقوع الخلاف.
وقالت الدار إن الإسلام راعى الطبيعة البشرية التي قد يعتريها الغضب وسوء الفهم، فأذن بالهجر لأيامٍ لا تتجاوز الثلاثة حتى تهدأ النفوس وتراجع نفسها، مستشهدةً بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ».
وأشارت إلى أن العلماء أجمعوا على تحريم الهجران بعد الثلاثة أيام إذا لم يكن هناك مسوغ شرعي، وأن الإثم يزول عمن بادر إلى الصلح ومدّ يده بالسلام، بينما يبقى على من رفضه أو تمادى في القطيعة.
وأضافت دار الإفتاء أن مجرد السلام يرفع الإثم ويقطع الهجران، كما ورد في الحديث الشريف:«فَإِنِ الْتَقَيَا فَسَلَّمَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ؛ اشْتَرَكَا فِي الْأَجْرِ، وَإِنْ أَبَى الْآخَرُ أَنْ يَرُدَّ السَّلَامَ؛ بَرِئَ هَذَا مِنَ الْإِثْمِ، وَبَاءَ بِهِ الْآخَرُ».
وبيَّنت الدار أن جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنفية يرون أن السلام وحده كافٍ لرفع الهجران، بينما رأى بعض فقهاء الحنابلة أن السلام لا يرفع الإثم إذا كان الطرف الآخر لا يزال يتأذى من هجران صاحبه، لأن السلام في جوهره وسيلة لنفي الأذى وإزالة الضغائن وإحياء الألفة بين القلوب.
وأكدت دار الإفتاء أن الإسلام حرص على ترسيخ المحبة والوئام بين الناس، وأن السلام هو شعار الإسلام وطريق التحابّ، مستشهدة بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ».
واختتمت الدار فتواها بالتأكيد على أن من أراد قطع الخصام والخروج من الهجران فعليه أن يبادر بإلقاء السلام، ولو لم يقابله الآخر بالمثل، فإنه يكون قد أدى ما عليه وبرئت ذمته من الإثم، ويُستحب أن يعقب ذلك بحديث طيب أو تواصل ودّي لتأكيد الصلح وتجديد المودة بين القلوب.
هل التسامح يعني التفريط في الحقوق؟
قال الدكتور يسري جبر، من علماء الأزهر الشريف، إن التسامح لا يعني أن يضيّع الإنسان حقه أو حق أولاده، ولكن في الوقت نفسه ليس معناه أن يأخذ حقه بطريقة تؤدي إلى الشتائم أو الخصام أو قطيعة الرحم.
الحفاظ على صلة الرحم
وأوضح خلال حلقة برنامج "أعرف نبيك"، المذاع على قناة الناس، اليوم السبت، أن المؤمن ينبغي أن يوازن بين المطالبة بحقه والحفاظ على صلة الرحم، خاصة في القضايا التي تتعلق بالميراث أو الشراكة، حيث قد يؤدي الإصرار على الحق إلى عداوة شديدة.
التسامح يفتح أبواب الرزق
وأضاف الدكتور يسري جبر أن من كان غنيًا ومستغنيًا عن حقه، فالأولى به أن يتسامح ويشتري بحقه صلة رحمه، لأن التجربة أثبتت أن من يتسامح يفتح الله له أبواب رزق أوسع، أما من هو بحاجة إلى حقه فعلاً، فلا يُطلب منه التنازل عنه، بل عليه أن يلجأ إلى القانون ويستعمل الوسائل الشرعية لاسترداد حقه.
وأشار الدكتور يسري جبر إلى أن على أهل القضاء والقانون أن يكونوا سريعين في الفصل بين الناس حتى لا تضطر الخصومات المتطاولة البعض إلى العداوة أو حتى الجريمة، مؤكدًا أن بطء القضاء يؤدي إلى تفاقم النزاعات.
وأكد العالم الأزهري أن النبي ﷺ كان من أكثر الناس تسامحًا، وكثيرًا ما تنازل عن حقه الشخصي، وهذا من خصال أهل العزائم الذين يترفعون عن الدنيا ويبتغون ما عند الله.
وقال الدكتور يسري جبر، إن التسامح يحتاج إلى توازن على مستوى الأفراد والحكام والنظام القانوني في الدولة، مشيرًا إلى قوله تعالى: "ومن كان غنيا فليستعفف"، موضحًا أن الغنيّ عن الشيء أولى بالعفو، أما المحتاج فليطالب بحقه دون أن يعتدي أو يعادي.