هل أثم إذا لم ارتدي النقاب .. وما حدود عورة المرأة في الصلاة؟

قالت دار الإفتاء إن ستر المرأة جميعَ بدنِها عدا وجهِها وكفَّيها -وقدميها كما هو قولُ جماعةٍ من الفقهاءِ- من شروطِ صحة الصلاة، ويُكرهُ للفتياتِ المذكوراتِ صلاتُهنَّ ساتراتٍ وجوهَهنَّ لغيرِ حاجةٍ مُعتبرةٍ شرعًا؛ لما ورد عن عبدِ اللهِ بنِ عمروٍ رضي الله عنهما أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا يُصَلِّ أَحَدُكُم وَثَوبُهُ عَلَى أَنفِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ خَطْمُ الشَّيطَانِ» أخرجه الإمامُ الطَّبَرَانِي.
بيان أنّ ستر العورة من شروط صحة الصلاة
وتابعت: من المقرر شرعًا أن ستر العورة شرط من شروط صحة الصلاة، وذلك عملًا بعموم قول الحق تبارك وتعالى: ﴿يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الأعراف: 31]، إذ الزينة هاهنا محمولة على ستر العورة، فاقتضى ذلك وجوب الاستتار بالثياب الموارية للعورة عند كل صلاة، كما في “مفاتيح الغيب” للإمام فخر الدين الرازي، وما ورد عن السيدة عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا تُقبَلُ صَلَاةُ حَائِضٍ إِلَّا بِخِمَارٍ» أخرجه الأئمة: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وأحمد.
والمقصود بـ”الحائض”: من بلغت سن الحيض، كما في “التوضيح” للإمام سراج الدين بن الملقن.
عورة المرأة في الصلاة
عورة المرأة في الصلاة جميع جسدها عدا الوجه والكفين على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة، وزاد الحنفية القدمين. يُنظر: “البحر الرائق” للإمام زين الدين بن نجيم الحنفي، و”الشرح الكبير” للإمام أبي البركات الدردير المالكي، و”أسنى المطالب” لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي، و”مطالب أولي النهى” للإمام الرحيباني الحنبلي.
حكم صلاة المرأة بالنقاب
صلاة المرأة حال كون نقابها منسدلًا ومرتخيًا على وجهها فيه نأي عن كمال هيئة السجود وتمامها -التي أخبر بها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم- لا سيما حال القدرة على ذلك -بأن لم يكن هناك عارض من مرض أو سفر أو نحو ذلك-، وهو السجود على سبعة أعضاء عينها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحصرها في: جبهة رأس الساجد وأنفه -وعدهما عضوًا واحدًا-، ويديه -وذلك ببطن كفيه-، وركبتيه، وأطراف أصابع قدميه، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أُمِرتُ أَن أَسجُدَ عَلَى سَبعَةِ أَعظُمٍ: الجَبهَةِ -وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنفِهِ- وَاليَدَينِ، وَالرِّجلَينِ، وَأَطرَافِ القَدَمَينِ، وَلَا نَكفِتَ الثِّيَابَ وَلَا الشَّعرَ» أخرجه الشيخان.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا يُصَلِّ أَحَدُكُم وَثَوبُهُ عَلَى أَنفِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ خَطمُ الشَّيطَانِ» أخرجه الإمام الطبراني.
كما ورد إجماع علماء الأمة أيضًا -معضدًا للنهي الوارد في الحديث سالف الذكر- بالنهي عن صلاة المرأة حال انتقابها لغير عذر معتبر شرعًا؛ لما في ذلك من تعذر مباشرة موضع السجود بالجبهة والأنف؛ لحيلولة النقاب بينهما وبين محل السجود -الأرض-، بالإضافة إلى ستره وتغطيته الفم.
قال الإمام ابن عبد البر في “التمهيد”: وقد أجمعوا على أن المرأة تكشف وجهها في الصلاة.. لإجماع العلماء على أن للمرأة أن تصلي المكتوبة ويداها ووجهها مكشوف ذلك كله منها تباشر الأرض به، وأجمعوا على أنها لا تصلي متنقبة.
وقال الإمام ابن القطان في “الإقناع”: وأجمعوا أنها لا تصلي منتقبة.
على أن هذا النهي إنما يُحمل على الكراهة لا التحريم على ما تواردت عليه نصوص الفقهاء، حتى عد بعضهم فعل ذلك دون حاجة من باب الغلو والإفراط.
قال الإمام أبو البركات الدردير في “الشرح الكبير” مع “حاشية الإمام الدسوقي”: وكره انتقاب امرأة أي: تغطية وجهها بالنقاب، وهو ما يصل للعيون في الصلاة؛ لأنه من الغلو. وقال الإمام النووي في “روضة الطالبين”: ويكره أن يصلي الرجل ملثمًا، والمرأة متنقبة.
وقال الإمام البهوتي في “شرح منتهى الإرادات” مبينًا حكم صلاة المرأة بالنقاب: وتكره صلاتها في نقاب وبرقع لأنه يخل بمباشرة المصلي بالجبهة والأنف، ويغطي الفم.
وشددت الإفتاء: هذه الكراهة ترتفع وتندفع بتوفر الحاجة الداعية لذلك لمن اعتادت لبس النقاب، وقد مثل الفقهاء لهذا الأمر بحضور الرجال الأجانب حال صلاتها وعدم احترازهم عن النظر إليها وعدم أمن الفتنة.
قال الإمام أبو عبد الله المواق في “التاج والإكليل” مبينًا حكم الانتقاب والتلثم في الصلاة نقلًا عن الإمام اللخمي: يكرهان، وتُسدل على وجهها إن خشيت رؤية رجل. فأفاد أن الكراهة تنتفي حينئذ.
وقال الإمام تقي الدين الحصني في “كفاية الأخيار” مبينًا ما يُستثنى من كراهة صلاة المرأة منتقبة: إلا أن تكون في مسجد وهناك أجانب لا يحترزون عن النظر.
وقال الإمام البهوتي في “كشاف القناع”: ويكره أن تصلي في نقاب بلا حاجة، فإن كان لحاجة كحضور أجانب، فلا كراهة.
ومن ثم فليس كل ما تتحرج به المرأة المنتقبة حال صلاتها يُعد من قبيل المسوغ الشرعي المعتبر الرافع للكراهة الناجمة عن الخروج عن الهيئة المشروعة حال الصلاة، وإنما يبقى الحكم على ما كان عليه في الأصل -وهو الكراهة- ما لم ترد تلك الحاجة المتسببة في الضيق والمشقة والحرج على صاحبته.