هل يجوز للزوجة التصدق من مال زوجها بغير إذنه؟.. الإفتاء تجيب

أكدت دار الإفتاء أن الأصل في الشرع الشريف عدم جواز تصرف الإنسان في مال غيره إلا بإذنه، وأن هذا الأصل يشمل الزوجة فيما يتعلق بمال زوجها؛ فلا يجوز لها أن تتصدق منه دون إذنه الصريح، إلا في حدود ما جرى به العرف وكان يسيرًا لا يُبخَل بمثله عادة.
هل يجوز للزوجة التصدق من مال زوجها بغير إذنه؟
جاء ذلك ردًّا على سؤال ورد إلى دار الإفتاء من سيدةٍ تحب الصدقة وترجو الأجر والثواب من الله، لكنها لا تملك مالًا خاصًّا بها، فتقوم بالتصدق على المحتاجين من مال زوجها دون علمه، معتقدة أنه لا حرج في ذلك.
وأوضحت الدار أن الصدقة من أعظم القُربات في الإسلام، وقد ورد فيها نصوص كثيرة تحث على الإنفاق في سبيل الله، منها قوله تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾ [البقرة: 245]، وقوله تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ...﴾ [البقرة: 261].
لكنها شددت في المقابل على أن من شروط صحة التصدق أن يكون المال المتصدَّق به مملوكًا للمتصدق، أو مأذونًا له بالتصرف فيه من مالكه. والزوجة ليست مالكة لمال زوجها، وبالتالي لا يجوز لها التصرف فيه إلا بإذنه أو برضاه.
وأضافت الفتوى أن الإذن لا يشترط أن يكون لفظيًّا صريحًا في كل الحالات؛ بل هناك تصرفات قد يؤخذ فيها الإذن من العرف والعادة، كأن تتصدق الزوجة برغيف خبز أو شيء يسير من الطعام مما جرت العادة أن الزوج لا يمانع فيه، وتعلم الزوجة أنه يُسمَح به عادة، فمثل هذا يجوز وإن لم يُصرّح به الزوج.
أما إذا كان المال المتصدق به من الأشياء الثمينة، أو لم يكن معلومًا من حال الزوج أنه يرضى بذلك، أو كان معروفًا عنه التشدد في ماله، فلا يجوز حينئذٍ للزوجة أن تتصدق من ماله إلا بإذنه الصريح، وإلا كانت متعدية على مال الغير بغير وجه حق، وهو أمر محرم شرعًا، لقوله تعالى: ﴿لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ﴾ [النساء: 29].
وقد استندت دار الإفتاء في فتواها إلى أقوال جمهور الفقهاء من المذاهب الأربعة، والذين فرّقوا بين الشيء اليسير المعفو عنه عرفًا، وبين التصرف في الأشياء ذات القيمة التي لا يجوز التصرف فيها بغير إذن مالكها. كما أشارت إلى حديث النبي ﷺ: «إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة، كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما كسب»، موضحةً أن المراد هنا هو الشيء الذي لا يُبخَل بمثله.
وفي ختام البيان، دعت دار الإفتاء الأزواج والزوجات إلى الوضوح والتفاهم في مسائل المال والإنفاق، مشيرةً إلى أن المودة والرحمة تقتضي أن يُؤذن في المعروف وألا يُمنع المعروف عن أهله، ولكن في الوقت ذاته لا يجوز مخالفة الشرع بذريعة النية الحسنة أو الرجاء في الأجر.