ضريح أحمد عمر هاشم بالشرقية يثير الجدل.. اعرف الحكم الشرعي

حالة من الجدل أثيرت حول الحكم الشرعي لضريح الدكتور أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر ورئيس الجامعة الأسبق، حيث أقيم ضريحا له داخل مسجد آل هاشم بقريته بني عامر، فما الحكم الشرعي للضريح؟
ضريح أحمد عمر هاشم
يقول الدكتور محمد إبراهيم العشماوي، أستاذ الحديث الشريف وعلومه في جامعة الأزهر الشريف، عن بناء ضريح الدكتور أحمد عمر هاشم: ينبغي أن يُعلم - أولا - أنني لا أحب إثارة مثل هذه الأمور، وأرى أن غيرها مما يجمع الأمة ولا يفرقها؛ أولى منها، بيد أنه لما كان بعض الناس يثيرها، ويجعلها من القضايا الكبرى، ويشغل بها أذهان العوام؛ كان لا بد من البيان!
وتابع: ينبغي أن يُعلم - ثانيا - أنني لا أحتكم إلا إلى العلم، وإلى العلماء الراسخين، وإلى مذاهب الفقهاء المعتمدة عند جمهور المسلمين، ولا علاقة لي بالجهال والمتعالمين وأهل الهوى والشذوذ والعصبية، وأنني أنحاز دائما إلى الشريعة، وفي الوقت نفسه لا أحب اتهام المسلمين بالباطل، والمسارعة إلى تكفيرهم وتبديعهم؛ لمخالفتهم رأيي الذي قد يكون خطأ في الواقع ونفس الأمر، أو تكون المسألة من مسائل الخلاف الذي لا إنكار فيه على المخالف، ولا تثريب عليه!

حكم بناء ضريح أحمد عمر هاشم
ونبه أنه من هذا القبيل مسألة البناء على القبر بنحو حجرة أو قبة أو ضريح، كما في قبور الأولياء والصالحين، جاء في فتاوى دار الإفتاء المصرية؛ ما نصه: "تعليم القبر بالبناء عليه جائز؛ لِمَا روى أبو داود في "سننه" من حديث كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ الْمَدَنِيِّ، عَنْ الْمُطَّلِبِ قَالَ: "لَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ؛ أُخْرِجَ بِجَنَازَتِهِ، فَدُفِنَ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا أَنْ يَأْتِيَهُ بِحَجَرٍ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ حَمْلَهُ، فَقَامَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَحَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ، قَالَ كَثِيرٌ: قَالَ الْمُطَّلِبُ: قَالَ الَّذِي يُخْبِرُنِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ؛ قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ ذِرَاعَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَسَرَ عَنْهُمَا، ثُمَّ حَمَلَهَا فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَأْسِهِ وَقَالَ: «أَتَعَلَّمُ بِهَا قَبْرَ أَخِي، وَأَدْفِنُ إِلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي».
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "التلخيص الحبير": [وإسناده حسن]. قال الإمام العيني في "شرح السنن": [وفي الحديث من الفقه جوازُ وَضْع الحجارة ونحوها عند القبر للعلامة، وجواز جمع الرجل موتاه في حظيرة واحدة، وفي هذا المعنى ما يفعله الناس من وضع الألواح على القبور ونصبها عند رؤوس الموتى للعلامة].
وأخرج البخاري عن سفيان التَّمَّار أَنَّهُ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم مُسَنَّمًا.
وأخرج ابن أبي شيبة في "المصنَّف" عن عمران بن أبي عطاء قال: "شهدت وفاة ابن عباس، فوَلِيَه ابن الحنفية، فبنى عليه بناءً ثلاثة أيام".
وأخرج أيضًا عن محمد بن المنكدر: "أن عمر رضي الله عنه ضرب على قبر أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها فسطاطًا".
وأما ما ذكره الفقهاء من الكراهة؛ فهو محمولٌ على ما إذا كان ذلك للتباهي والمفاخرة، فإن كانت المقبرة مُسَبَّلةً - موقوفة للدفن - فإن ذلك حرام؛ لِمَا في ذلك من التضييق على الناس، أما إذا كان لغرض تعليم القبر ومعرفته، أو كان ذلك في ملك الباني؛ فهو جائز.
وقال الإمام العمراني الشافعي في "البيان": [وإن كان في ملكه جاز له أن يبني ما شاء؛ لأنه لا يضيق على غيره، بخلاف المُسَبَّلة]، وقال العلَّامة ابن مفلح الحنبلي في "الفروع": [وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ: لا بَأْسَ بِقُبَّةٍ وَبَيْتٍ وَحَصِيرَةٍ فِي مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ الدَّفْنَ فِيهِ مَعَ كَوْنِهِ كَذَلِكَ مَأْذُونٌ فِيهِ، قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: وَيُكْرَهُ فِي صَحْرَاءَ لِلتَّضْيِيقِ وَالتَّشْبِيهِ بِأَبْنِيَةِ الدُّنْيَا.
وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَيُكْرَهُ إنْ كَانَتْ مُسَبَّلَةً، وَمُرَادُهُ وَاَللهُ أَعْلَمُ: الصَّحْرَاءُ.
وَفِي الْوَسِيلَةِ: يُكْرَهُ الْبِنَاءُ الْفَاخِرُ كَالْقُبَّةِ، فَظَاهِرُهُ: لا بَأْسَ بِبِنَاءٍ مُلاصِقٍ؛ لأَنَّهُ يُرَادُ لِتَعْلِيمِهِ وَحِفْظِهِ دَائِمًا، فَهُوَ كَالْحَصَى، وَلَمْ يَدْخُلْ فِي النَّهْيِ؛ لأَنَّهُ خَرَجَ عَلَى الْمُعْتَادِ، أَوْ يُخَصُّ مِنْهُ].
وَقَالَ فِي "الْفُصُولِ": [الْقُبَّةُ وَالْحَظِيرَةُ وَالتُّرْبَةُ إنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ؛ فَعَلَ مَا شَاءَ، وَإِنْ كَانَ فِي مُسَبَّلَةٍ كُرِهَ؛ لِلتَّضْيِيقِ بِلا فَائِدَةٍ، وَيَكُونُ اسْتِعْمَالًا لِلْمُسَبَّلَةِ فِيمَا لَمْ تُوضَعْ لَه].
أما الحديث الذي رواه مسلم وغيرُه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهَ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ، وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ". فهو محمول على مَنْ فعل ذلك مباهاةً وتفاخرًا، على سبيل الزينة، لا على جهة اتخاذه علامة، وكذلك الحديث الذي رواه مسلم أيضًا عن أَبِي الْهَيَّاجِ الأَسَدِيِّ قَالَ: "قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه: أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ «أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ، وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ»"؛ فالمقصود به قبور المشركين؛ بدليل ذكر التماثيل مع القبور، أمَّا قبور المسلمين فهي شاخصة لا تُسوَّى بالأرض، كما ورد آنفًا من فعله صلى الله عليه وآله وسلم، وفعل كثير من السلف الصالح". انتهى من فتاوى دار الإفتاء المصرية بتصرف.
وقد علم الأولون والآخرون أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصاحبيه؛ دفنوا في حُجْرة السيدة عائشة، وهي مسقوفة، ولا فرْق بين السقف والقبّة، ولقد قال الله عز وجل عن شأن أهل الكهف:{فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا ۖ رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ ۚ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا }[سورة الكهف: ٢١]

قال الحافظ ابن حجر في [فتح الباري]: « قال البيضاوي: لـما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور الأنبياء؛ تعظيما لشأنهم ويجعلونها قبلة يتوجهون في الصلاة نحوها، واتخذوها أوثانا، لعنهم، ومنع المسلمين عن مثل ذلك.
فأما مَن اتخّذَ مسجدا في جوار صالح، وقصد التبرك بالقرب منه، لا التعظيم له، ولا التوجه نحوه، فلا يدخل في ذلك الوعيد..».
وقال الإمام الشافعي في كتاب [الأم]: «وقد رأيت من الوُلاة من يهدم بمكّة ما يُبنى فيها – من البناء على القبور – فلم أرَ الفقهاء يعيبون ذلك، فإنْ كانت القبور في الأرض يملكها الموتى في حياتهم، أو ورثتهم بعدهم، لم يُهدَمْ شيء أن يبنى منها، وإنما يُهدم – إن هُدمَ – ما لا يملكه أحد، فهدمه لئلا يحجر على الناس موضع القبر، فلا يدفن فيه أحد، فيضيق ذلك بالناس» اهـ. وواضح من كلام الإمام الشافعي أنه إنما يهدم ما بني في مقبرة مسبلة؛ لئلا يضيق البناء على الناس، وأما ما بناه في ملكه فلا يُهدم.
ومذهب الشافعية جواز ذلك في غير المُسَبَّلة - الموقوفة للدفن - بدون كراهة، لنحو عالم وصالح - كما في «التحفة»، ونحوه في «النهاية »، وأفتى بعض الشافعية بجواز ذلك لنحو من ذكر، ولو في مسبلة كما في «البجيرمي على الخطيب».
ومذهب الأحناف: أنه يكره البناء على القبر، ويحرم إن كان للزينة، كما ذُكِرَ ذلك في «تبيين الحقائق»، و «إعلاء السنن».
لكن جاء في "حاشية ابن عابدين": "وقيل: لا يكره البناء إذا كان الميت من المشايخ والعلماء والسادات.
قلت [أي ابن عابدين]: لكن هذا في غير المقابر المُسَبَّلَة، كما لا يخفى".
ومذهب المالكية قريب من مذهب الأحناف، كما في «الشرح الصغير ».
ومذهب الحنابلة: كراهته مطلقاً، وعن صاحب «المستوعب» و «المحرر» قال: (لا بأس بقبة، وبيت، وحصيرة، في ملكه؛ لأنّ الدفنَ فيه، مع كونه كذلك مأذون فيه).
وقال صاحب المحرر أيضاً: « يكره في صحراء ؛ للتضييق، والتشبيه بأبنية الدنيا «. وقال في المستوعب: « يكره إن كان في مسبلة «، كما جاء ذلك في كتاب [الفروع] لابن مفلح. وقد سبق النقل عن مذهب الحنابلة.
والخلاصة: أنّ بناء القباب ونحوها لا يعدو كونه مكروهاً، إذا كان في غير مسبلة، بل عند بعضهم جائز بلا كراهة، لنحو عالم، أو صالح.
وهذه نصوص أخرى في المسألة، للسادة الشافعية!
قال الماوردي: «وَأَمَّا الْبِنَاءُ عَلَى الْقُبُورِ كَالْبُيُوتِ وَالْقِبَابِ، فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لَمْ يَجُزْ».
مقتضاه: أنه يجوز له البناء على القبر؛ إن كان في ملكه!
وقال إمام الحرمين أبو المعالي الجويني: «فإن لم يكن في مقبرة مشتركة؛ فلا بأس بالبناء».
معناه: جواز البناء على المقبرة الخاصة، دون المقابر العامة والمشتركة!
وقال أبو الحسين يحيى بن أبي الخير بن سالم العمراني، شيخ الشافعية في بلاد اليمن: «وأما البناء على القبر: فإن بني عليه بيت أو قبة، فإن كان ذلك في مقبرة مسبلة ... لم يجز؛ لأنه يضيق على غيره، وعليه يحمل الخبر، قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (ورأيت من الولاة من يهدم بمكة ما بني بها، ولم أر من الفقهاء من يعيب عليه ذلك) ،وإن كان في ملكه ... جاز له أن يبني ما شاء؛ لأنه لا يضيق على غيره، بخلاف المسبلة».
معناه: جواز البناء على القبر المملوك ملكية خاصة!
وقال عبد الكريم بن محمد الرافعي القزويني: «ويكره تجصيص القبر، والكتابة، والبناء عليه؛ لما روى عن النبي صلي الله عليه وسلم (أنه نهي عن تجصيص القبر، وأن يبنى عليه، وأن يكتب، وأن يوطأ) ولو بني عليه هدم، إن كانت المقبرة مسبلة، وإن كان القبر في ملكه؛ فلا».
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري: «وَكَمَا يُكْرَهُ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ؛ يُكْرَهُ بِنَاؤُهُ، فَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ؛ نَهَى أَنْ يُبْنَى الْقَبْرُ (بَلْ يُهْدَمَ) الْبِنَاءُ الَّذِي بُنِيَ (فِي) الْمَقْبَرَةِ (الْمُسَبَّلَةِ) بِخِلَافِ مَا إذَا بُنِيَ فِي مِلْكِهِ".
معناه: جواز البناء على القبر المملوك له خاصة، دون المقبرة العامة أو المشتركة!
ونقل الإمام الشعراني الشافعي عن الإمام السيوطي الشافعي أنه «أَفْتَى بِعَدَمِ هَدْمُ مَشَاهِدِ الصَّالِحِينَ بِالْقَرَافَةِ».
وفي "بشرى الكريم" من كتب الشافعية، وهو "شرح المقدمة الحضرمية": "إن احتيج لبناء نحو قبة أو بيت؛ لخوف سارق أو سبع، ولو بمُسَبَّلَة، أو كانت الكتابة على القبر والقبة لصالح، في غير مُسَبَّلَة.. فلا كراهة، ولذا تصح الوصية بقبة له".
والحاصل: أن في مسألة البناء على القبر، بنحو قبة أو حجرة أو ضريح أو حوش؛ خلافا معتبرا، وأن كثيرا من الفقهاء المعتبرين أجازه في المقبرة المملوكة لصاحبها خاصة، دون المقبرة العامة أو المشتركة أو الموقوفة على دفن المسلمين، لعدم التضييق عليهم، وبعضهم أجازه فيها، خوفا عليها من النبش أو السرقة أو العدوان، لا سيما إن كانت لعالم أو صالح أو شيخ أو سيد، تعليما له، ما لم يقصد بها الزينة والمباهاة والمفاخرة أو التعظيم، ويكاد يكون هذا مذهب جمهور الشافعية، ووافقهم بعض الحنفية والحنابلة، ويؤيده وضع النبي صلى الله عليه وسلم حجرا على قبر عثمان بن مظعون؛ لتعليمه، وكذلك دفنه صلى الله عليه وسلم في حجرة السيدة عائشة، دون نكير من الصحابة، وما ورد من الأحاديث والآثار بخلاف ذلك؛ فمؤول، على نحو ما قرأتَ، ومحالٌ أن يخالف هؤلاء الفقهاء كلهم - مع جلالتهم - سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ إلا إذا تأولوها تأويلا صحيحا!
وشدد أنه مع هذا الخلاف السائغ؛ لا يجوز الجزم بأن بناء ضريح أو حجرة أو قبة على الميت؛ حرام أو بدعة.