فى هذه الحياة تعيش وأنت محاط باللصوص من كل جانب ومن كل مكان ، ولصوص الحياة ليسوا مصنفين بذلك اجتماعيا لأنهم قد يكونون أقرب الناس إليك ، وهم أيضا من كنت تظن بهم خيرا . هذه الكلمات ذكرها طبيب نفسى كبير فى كتاب انتهيت من قراءته بعد شهر كامل من القراءة المتأنية . الكتاب حالات نفسية متواصلة الاحداث فهو يأخذك من مكان الى آخر ومن شخص بعينه الى أشخاص آخرين بتجاربهم ومشاكلهم التى جعلتهم اناس آخرين بغير ماكانوا عليه من بعد ماتعرضوا له من سرقات نفسية وشعورية من لصوص المشاعر والعلاقات ، الكاتب أو المحلل النفسى أفرد فى مؤلفه مساحة كبيرة لبطلة كتابه وبحثه التى تحدثت كثيرا عن طفولة بائسة أقنعتها فيها أمها منذ نعومة أظافرها أنها " بنت متعبة " وعلى ذلك الوصف عاشت الابنة حياة محاطة بتعليمات الام القاسية وتوجيهاتها المؤلمة التى جعلت من الابنة مخلوقة منطوية حزينة دوما . الكاتب فى حديثه عن هذه الفتاة استهله بمقدمة عن علم النفس والبطاطس وقال
وشرح واستطرد فى حديثه عن انه فى استطاعة اى شخص ان يضع شوال بطاطس بنية التخزين في بدروم تحت الأرض وبالطبع هذا البدروم من غير تهوية والنتيجة ان تتعفن البطاطس ؛ وفى المقابل هناك نوع اخر من المزروعات يتم تخزينها تحت الأرض وبدون تهوية حتى تنضج وتصبح صالحة للاستهلاك الادمي. الكاتب خرج من هذه المقارنة لكى يشرح لنا ان طبيعة كل انسان فريدة ومختلفة عن غيرها ؛ فقال ان طبيعة البشر مختلفة وليست نسخة واحده ففينا انسان اجتماعي يستمد استمراره وبقاءه بل وحياته كلها من التواصل والانتشار والحياة الاجتماعية ، وفينا إيضا ذلك المخلوق الانطوائي بطبيعته الذى يفضل ان يجالس نفسه كتيرا ولايجد راحته مع الانخراط مع الاخرين بل انه لو فعل ذلك لنفذت طاقته. هذه الكلمات جاء بعدها اعترافات ممن كانوا تحت متابعة ومباشرة الطبيب النفسى صاحب المؤلف الرائع والذى حملت كلماتهم مشاعر ناتجة عن لصوص المشاعر وعن الاخطاء التربوية التى يقع فيها الآباء عندما يريدون ان يربوا ابناءهم بنفس الطريقة التى تربوا بها بما فيها من اخطاء ومعاناة ، بل ان بعض الاباء فعلوا نفس الاخطاء عندما ساووا تربية البنات بالبنين وسرقوا بذلك كمية كبيرة من المشاعر لدى ابناءهم خلفت وراءها علاقات أسرية غير سوية .فى هذا الكتاب تجد نفسك عند الانتهاء من قراءته على يقين تغيير طريقة تعاملك مع كل من حولك من ابناء واصدقاء وجيران ونظرتك للعلاقات الاسرية والاجتماعية بصفة عامة . وبمجرد ان تنتهى من قراءة هذا الكتاب تجد نفسك تسترجع حياتك منذ الصغر وتتذكر كيف كنت وهل أنت راضى عن شىء بل ربما أشياء مرت فى حياتك منذ الصغر وحتى الان ؟ ستجد شريط حياتك يمر أمام مخيلتك وذلك ماذكرته واحدة ممن تحدث عنهم الكاتب وأكدت انها فى صغرها كانت أسيرة لوصف أمها بأنها مزعجة وبأن مكانها الطبيعى هو البيت فقط لانه لايوجد من يتحملها خارج البيت ، ومن هذا المفهوم عاشت الفتاة مذعورة من المجتمع ومن أى شخص فيه لأنه سيعلم انها مزعجة ويتجنبها وربما يهاجمها.
ومن هذه الشخصية الى أخرى قالت فى اعترافاتها أنها تكره العرق وتخاف ان تبذل مجهود فتعرق
والمشكلة كانت تكمن فى عقدة من صغرها بأن لديها شعر طويل وعندما تعرق ستستحم وتجفيف شعرها الطويل وتسريحه متعب وامها ملت هذا التجفيف والتسريح فقامت بقص شعرها حتى اصبح يقارب شعر الاولاد وتركتها معقدة نفسيا من العرق ومانتج عنه من تغيير ملامحها بل وحياتها كلها وبالطبع معاملة اقرانها لها فى الشارع والمدرسة فقد اصبحوا يطلقوا عليها اسم ولد وليس اسمها اسم البنت وعاشت يتنمر بها طيلة طفولتها وصباها .
يشبه الكاتب بعض الحالات التى عالجها بالمزروعات التى كان يجب ان تشرب ماء وقام لصوص العلاقات بسقيها اللبن بدل الماء ، وذكر ايضا ان هناك حالات تشبه الطيور التى تأكل حَبوب ويقوم لصوص
العلاقات والمشاعر باطعامها لحوم بدلا عن الحبوب.
وفى نهاية الكتاب المؤلف يتساءل عن محصلة هذه التربية وعن أعداد من خرجوا من بيوت دمرت ابناءها وسجنت طبيعتهم الجميلةبمسميات وسلوكيات خاطئة ، كم عدد لصوص العلاقات التى تتعامل معنا ونحن لانعلم عن طبيعتهم شيئا ومايضمروه لنا فى داخلهم من أذى،
!!ويقول الكاتب فى النهاية لابد ان نتوقف على سرقة حياة غيرنا بزعم اننا نربيهم !!
.