ما حكم طهارة المريض المحجوز بالعناية المركزة؟..دار الإفتاء توضح

لا يجب على المريض المحجوز بالعناية المركزة استعمال الماء في الطهارة حال منع الأطباء له من ذلك؛ حفاظًا على نفسه وعملًا بقول الله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: 29]، وبما ورد عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه قال: «احتلمتُ في ليلةٍ باردةٍ في غزوة ذات السلاسل، فأشفقتُ إن اغتسلتُ أن أهلِكَ، فتيممتُ، ثم صليتُ بأصحابي الصبح، فذكروا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: «يَا عَمْرُو، صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟» فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، وقلت: إني سمعت أن الله يقول: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: 29]، فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يقل شيئًا». وعليه إذا أراد استباحة الصلاة تيمم، وإن تعذَّر عليه التيمم صلَّى على حاله دون طهارة حسية أو معنوية، وصلاته بذلك مجزئةٌ وصحيحةٌ، ولا إعادة عليه.
طهارة الثوب والبدن والمكان والطهارة من الحدثين الأصغر والأكبر للصلاة
طهارة الثوب والبدن والمكان من مطلوبات الصلاة؛ والدليل على ذلك قوله تعالى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ [المدثر: 4]، قال الإمام الشافعي في “تفسيره”: قال اللَّه عزَّ وجلَّ: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ الآية، فقيل: يُصَلِّي في ثياب طاهرة، وقيل: غير ذلك، والأول أشبه؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر أن يُغسل دم الحيض من الثوب.
وأما طهارة البدن فلما رواه الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: مر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على قبرين فقال: «أَمَا إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ».
قال العلّامة ابن بطال في “شرح صحيح البخاري”: أجمع الفقهاء على نجاسة البول والتنزّه عنه. وقوله: «كان لا يستتر من بوله»، يعني أنه كان لا يستر جسده ولا ثيابه من مماسة البول، فلما عُذب على استخفافه لغسله والتحرز منه، دل أن من ترك البول في مخرجه، ولم يغسله، أنه حقيق بالعذاب.
ولذلك ذهب جمهور الفقهاء إلى أن طهارة الثوب والبدن والمكان من شروط صحة الصلاة. ينظر: “بدائع الصنائع” للعلامة الكاساني، و”الشرح الكبير” للعلامة الدردير، و”المجموع” للإمام النووي، و”كشاف القناع” للعلامة البهوتي.
ومن شروط صحة الصلاة أيضًا: الطهارة من الحدثين الأصغر والأكبر؛ لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة: 6]، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» متفق عليه، واللفظ للبخاري.
بيان حكم الطهارة لمن يتعذّر عليه استعمال الماء
المتعذر أو المتعسر عليه استعمال الماء في الطهارتين -كما في حالة مريض العناية المركزة بصورته الواردة في السؤال- مرفوع عنه الحرج الوارد في قوله تعالى: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة: 6].
ومعنى رفع الحرج عنه في هذه الحالة هو أنه وإن كان الأصل عدم صحة الصلاة منه بغير وضوء، إلا أن التعذر والتعسر يُصار معهما إلى البدل في الطهارة، سواء كان التعذر حكميًا بعدم القدرة على استعماله أو حقيقيًا بفقد الماء، وهو -أي العذر بهذا التفصيل السابق- سارٍ في طهارة البدن والثياب.
وإذا كان التيمم مشروعًا عند فقد الماء أو عدم القدرة على استعماله -حتى نقل بعض الفقهاء الإجماع على ذلك، كما في “فتاوى قاضيخان” و”الاستذكار”-، فإن عدم القدرة على استعمال الماء خوفًا من الضرر أو التهلكة حال التطهر به في حكم فقده ومما يُشرع لأجله التيمم؛ وذلك لدخوله في عموم ما أطبقت عليه الأدلة الشرعية من وجوب حفظ النفس، ومجانبتها المهالك والمفاسد، وبما ورد من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتقريره في خصوص مشروعية التيمم للجنُب عند الخوف من التضرر بالماء.
فأما عموم النصوص الشرعية الدالة على وجوب حفظ النفس: فنحو قول الله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: 195]، وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: 29]، وقوله سبحانه: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78]، وقوله جل شأنه: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: 16].
قال الإمام الزمخشري في “الكشاف”: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾.. عن عمرو بن العاص رضي الله عنه: أنه تأوله في التيمم لخوف البرد، فلم ينكر عليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم.
وأما ما جاء من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: فعن عمران بن حصين الخزاعي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأى رجلًا معتزلًا لم يصل في القوم، فقال: «يَا فُلَانُ، مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ فِي القَوْمِ؟» فقال: يا رسول الله، أصابتني جنابة ولا ماء، فقال: «عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ» متفق عليه.
وعن سعيد بن عبد الرحمن، عن أبيه قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: إني أجنبت فلم أُصب الماء، فقال عمار بن ياسر لعمر بن الخطاب رضي الله عنهم: أما تذكر أنا كنا في سفر أنا وأنت، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت فصليت، فذكرت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا» فضرب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكفيه الأرض، ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه. متفق عليه.
وأما ما ورد من تقريره صلى الله عليه وآله وسلم: فعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت، ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: «يَا عَمْرُو، صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟» فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، وقلت: إني سمعت أن الله يقول: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: 29]، فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يقل شيئًا.
بيان حكم الطهارة لمن يتعذّر عليه التيمم
صورة التيمم: أن يُمس الصعيد الطاهر باطن الكف على مرتين، مرة يمسح بها الوجه، والمرة الثانية يمسح بها اليدين إلى المرفقين؛ اليمنى باليسرى، واليسرى باليمنى؛ كما قال تعالى في بيان صفة التيمم: ﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ﴾ [المائدة: 6]، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ: ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ، وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ».
وإذا تعذر التيمم على المريض في هذه الحالة فحكمه حكم فاقد الطهورين؛ فيجوز له أداء الصلاة على حاله بلا وضوء ولا تيمم مراعاة لحرمة الوقت، وليس عليه إعادة ما صلاه؛ كما هو الصحيح من مذهب الحنابلة؛ تيسيرًا ورفعًا للحرج عنه.
قال العلّامة علاء الدين المرداوي في “الإنصاف”: قوله: ولو عدم الماء والتراب صلى على حسب حاله، الصحيح من المذهب: وجوب الصلاة عليه والحالة هذه، فيفعلها وجوبًا في هذه الحالة. وعليه الأصحاب… قوله: وفي الإعادة روايتان. إحداهما: لا يعيد، وهو المذهب.
وقال العلّامة أبو السعادات البهوتي في “كشاف القناع”: ومن عُدم الماء والتراب، أو لم يمكنه استعمالهما لمانع، كمن به قروح لا يستطيع معها مس البشرة بوضوء ولا تيمم؛ صلى الفرض فقط على حسب حاله وجوبًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ»؛ ولأن العجز عن الشرط يوجب ترك المشروط، كما لو عجز عن السترة والاستقبال. ولا إعادة؛ لما روي عن عائشة أنها استعارت من أسماء قلادة فضلتها، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالًا في طلبها، فوجدوها، فأدركتهم الصلاة، وليس معهم ماء فصلوا بغير وضوء فشكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله آية التيمم. متفق عليه، ولم يأمرهما بالإعادة، ولأنه أحد شروط الصلاة، فسقط عند العجز كسائر شروطها.
وتقدير تعذر أو تعسر الوضوء أو التيمم مرجعه إلى الطبيب في هذه الحالة.
وعلى ذلك فإذا تعذر أو تعسر على المريض استعمال الماء في طهارة بدنه أو أعضائه، فلا حرج عليه، وينتقل رفع الحدث عنه إلى التيمم، فإن تعذر التيمم صلى على حاله ولا إعادة عليه.