المراد بصلاة الزوال وفضلها وعدد ركعاتها.. وهل هي سنة الظهر؟

أكدت دار الإفتاء أن صلاة الزوال هي صلاة نافلة تُؤدَّى عند ميل الشمس عن كبد السماء وقبل صلاة الظهر، وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يحرص على أدائها، ووعد بالمغفرة والنجاة من النار لمن داوم عليها.
وقد ورد في صفتها أنها تُصلَّى أربع ركعات بتسليمة واحدة، وقيل: ركعتان فقط، والأمر في ذلك واسع، إذ لم يرد نصٌّ ملزم بعدد محدد.
هل صلاة الزوال هي سنة الظهر القبلية؟
واختلف الفقهاء في تحديد علاقتها بسنة الظهر، فذهب بعضهم إلى أنها هي نفسها سنة الظهر القبلية، بينما رأى آخرون أنها صلاة مستقلة تُصلَّى قبل سنة الظهر.
فمن اتبع مذهب الشافعية أو الحنابلة جاز له الجمع بين صلاة الزوال وسنة الظهر، ومن أخذ برأي الحنفية اكتفى بسنة الظهر لأنها عندهم عين صلاة الزوال.
وفي النهاية، فالأمر من فضائل الأعمال التي فيها سعة ورحمة، فمن وجد في أدائها خشوعًا وطمأنينة فليحافظ عليها، فالعبرة بما يرقّ له القلب وتسمو به الروح.
حثَّ الإسلام على الإكثار من النوافل، وجعلها بابًا عظيمًا للتقرب من الله تعالى ونيل محبته ورضوانه، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن مكانة هذه الصلوات في حديثٍ قدسيٍّ رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ…».
فالنوافل من أعظم وسائل القرب من الله تعالى، وهي علامة على صدق الإيمان وكمال الطاعة، إذ تجعل العبد في معية الله وحفظه وتوفيقه.
وقد شبَّه العلماء مَن يُؤدِّي الفرائض والنوافل جميعًا بمن يُسدِّد دَينه كاملًا ثم يزيد عليه من ماله توددًا، فينال مزيدًا من المحبة والرضا. فكلما زاد المسلم في النوافل زاد قربه من الله ومحبته له، حتى يصير عبدًا خالصًا مرضيًا عند ربه.
ومن هذه النوافل التي يشملها هذا الفضل صلاة الزوال أو سنة الزوال.
معنى صلاة الزوال
اختلف العلماء في تحديد المراد من صلاة الزوال، وهل هي سنة مستقلة أم هي عين سنة الظهر القبلية؟
• الحنفية يرون أن صلاة الزوال هي نفسها سنة الظهر الراتبة التي تُصلَّى قبلها، وعددها أربع ركعاتٍ بتسليمةٍ واحدة.
واستدلوا بحديث أم حبيبة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ صَلَّى قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى النَّارِ» (رواه الترمذي وابن ماجه). فالحديث يدل على فضل صلاة أربع ركعات قبل الظهر دون تقييدها باسم الزوال، فحُملت عندهم على أنها سنة الظهر القبلية.
كما جاء في شرح المظهري الحنفي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي أربع ركعات بعد الزوال لا يسلِّم إلا في آخرهن، وبيَّن أن المقصود بها سنة الظهر التي قبلها.
• الشافعية والحنابلة ذهبوا إلى أن صلاة الزوال سنة مستقلة غير سنة الظهر، تُؤدَّى بعد زوال الشمس وقبل صلاة الظهر، وعددها أربع ركعات بتسليمة واحدة، وقيل: ركعتان.
قال الإمام الرملي في نهاية المحتاج: «وصلاة الزوال بعده وهي ركعتان أو أربع». وبيَّن الشبراملسي أن ذكرها على الانفراد بعد الرواتب دليل على أنها عبادة مستقلة. وقال ابن حجر الهيتمي: «سنة الزوال أربع، وهي غير سنة الظهر، وكان صلى الله عليه وآله وسلم ربما جمع بينهما وربما اقتصر على ركعتين بحسب حاله».
واستدلوا بحديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: «أَدْمَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ عِندَ زَوَالِ الشَّمْسِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا هَذِهِ الرَّكَعَاتُ؟ قَالَ: إِنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ تُفْتَحُ عِندَ زَوَالِ الشَّمْسِ، فَلَا تُرْتَجُ حَتَّى يُصَلَّى الظُّهْرُ، فَأُحِبُّ أَنْ يَصْعَدَ لِي فِيهَا خَيْرٌ» (رواه أحمد).
وهذا الحديث نصٌّ في استحباب الصلاة عند الزوال على وجهٍ مستقل.
أما الحنابلة فنصّوا على استحباب أربع ركعات قبل الظهر غير الرواتب، واعتبروها سنة الزوال، كما قال صاحب الإقناع في فقه الإمام أحمد: «ويُسن غير الرواتب: أربع قبل الظهر وأربع بعدها».
الأمر في هذه المسألة واسع، فهي من أبواب فضائل الأعمال التي يُثاب فاعلها ولا يُنكر على تاركها، فمن شاء صلى سنة الزوال مستقلة كما في مذهب الشافعية والحنابلة، ومن شاء اكتفى بسنة الظهر القبلية على مذهب الحنفية، وكلاهما مأجور.
فالمقصود هو دوام الصلة بالله والمحافظة على النوافل التي ترفع الدرجات وتزيد المحبة والقرب من الله، والعبرة في ذلك حيث يجد المسلم قلبه وخشوعه.