ما كيفية وضوء ذوي الهمم من أصحاب الاحتياجات الخاصة لأداء الصلاة؟

راعى الإسلام في أحكام الوضوء أصحاب الهمم من ذوي الاحتياجات الخاصة، فخفف عنهم ورفع عنهم المشقة والحرج؛ فإن قدروا على الوضوء بأنفسهم وجب عليهم فعله، وإن لم يتمكنوا جاز أن يُعينهم غيرهم، حتى ولو بأجرة إن استطاعوا دفعها، ما دام موضع الفرض موجودًا. أما إذا وُجد بعض الأعضاء دون بعض، فيغسل الموجود ويسقط ما لم يوجد.
وإن عجزوا عن استعمال الماء، جاز لهم التيمم بأنفسهم أو بمساعدة غيرهم، ولو بأجرة إذا أمكن، فإن عجزوا عن التيمم كذلك، صلّوا بحسب استطاعتهم، ولا تلزمهم الإعادة بعد ذلك.
التيسير ورفع الحرج عن المكلفين في الشريعة الإسلامية
يُعدّ مبدأ التيسير ورفع الحرج عن المكلفين من القواعد الراسخة في الشريعة الإسلامية، إذ بُنيت الأحكام الشرعية على اليسر ورفع المشقة، تحقيقًا لمقاصد الدين في الرحمة والتخفيف. قال الله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]، وقال سبحانه: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78].
ومن الفئات التي شملها هذا التيسير أصحاب الهمم من ذوي الاحتياجات الخاصة؛ فهم مخاطبون بالتكاليف الشرعية كغيرهم متى توفرت فيهم شروط التكليف من الإسلام والعقل وغيرها، إلا أن أداءهم للعبادات يكون بحسب طاقتهم وقدرتهم، رفعًا للحرج وتقديرًا لعذرهم، لقوله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286]، وقوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: 16]، ولقوله سبحانه: ﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ﴾ [الفتح: 17].
وقد جاءت السنة النبوية مؤكدةً لهذا الأصل، كما في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه أنه قال: كانت بي بواسير، فسألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الصلاة، فقال: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ» (رواه البخاري)، وهو دليل واضح على رفع الحرج عن أصحاب الأعذار، والتيسير عليهم في أداء العبادات.
كيفية وضوء ذوي الاحتياجات الخاصة
الطهارة شرط لصحة الصلاة، وهي إما وضوء للحدث الأصغر أو غسل للحدث الأكبر، ويختلف تطبيق هذا الشرط باختلاف قدرة المكلف وحالته. فإن كان صاحب الهمة قادرًا على الوضوء بنفسه وجب عليه أن يقوم به، أما إن عجز فله أن يستعين بغيره، سواء من أهله أو ممن لا مِنّة له عليه، وصح وضوءه بذلك، لأن النية من المتوضئ لا من الذي يعينه، كما قرر الإمام النووي وغيره من الفقهاء.
وإذا لم يجد من يعينه تطوعًا، وجب عليه استئجار من يساعده متى استطاع دفع الأجرة، كما نص على ذلك فقهاء المذاهب الأربعة. أما إذا كان بعض أعضاء الوضوء موجودًا دون بعض، وجب عليه غسل الموجود وسقط حكم ما فُقد، عملًا بقوله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286]، وبالحديث الشريف: «وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (متفق عليه).
فإن لم يتمكن من استعمال الماء، جاز له التيمم بنفسه أو بمساعدة غيره، ولو بأجرة إن استطاع، فإن عجز عن التيمم كذلك، صلى على حاله دون إعادة، وهو ما عليه جمهور الفقهاء، تيسيرًا ورفعًا للحرج، امتثالًا لقوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185].
وقد أفتى العلماء بأن من عجز عن الطهارة بالماء أو بالتراب صلى بحسب حاله، ولا إعادة عليه، كما ذكر الحنفية والمالكية والحنابلة في مصنفاتهم، تحقيقًا لقول الله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78].