تقسيم المال على الأولاد حال الحياة.. 4 أمور شرعية تجعله مكروهًا

تقسيم المال على الأولاد حال الحياة، من الأمور التي يثار حولها الجدل خاصة مع دعوات الكتابة للبنت حفاظًا عليها من جشع الأقارب حسبما يذهب القائلون بهذا القول، إلا أن هناك أمور شرعية تجعله مكروهًا، وهو ما سنوضحه في التقرير التالي.
تقسيم المال على الأولاد حال الحياة
وتحت عنوان «قِسْمَةُ المَالِ بَيْنَ الأَوْلَادِ حَالَ الحَيَاةِ مِنْ مَنْظُورٍ إسَلَامِي»، يقول الدكتور جمال الأكشة رئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بطنطا جامعة الأزهر: اختلف الفقهاء في حكم قسمة المال بين الأولاد حال الحياة على مذاهب ثلاثة ، على النحو التالي:
المذهب الأول: ذهب المالكية، والحنابلة في الصحيح من مذهبهم، والظاهرية، إلى القول بجواز قسمة المال بين الأولاد حال الحياة.
المذهب الثاني: ذهب الشَّافِعِيَّة إلى أنه لا يجوز قسمة المال بين الأولاد حال الحياة. وبه أفتى مجمع البحوث الإسلامية.
المذهب الثالث: ذهب الحنابلة في رواية إلى القول بكراهة تقسيم المال بين الأولاد حال الحياة.
أدلة المذهب الأول:
استدل أصحاب هذا المذهب على قولهم بأنه يجوز تقسيم المال بين الأولاد حال الحياة بالأثر ، والمعقول ، والقياس ، على النحو التالي:
(أ) من الأثر:
استدلوا بما روي عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين أن سعد بن عبادة قسم ماله بين بنيه في حياته، فَوُلِدَ له ولدٌ بعدما مات، فلقي عمر أبا بكر ، فقال: «ما نمت البارحة من أجل ابن سعد هذا المولود ، ولم يترك له شيئًا. فقال أبو بكر : وأنا والله ما نمت الليلة - أو كما قال - من أجله، فانطلق بنا إلى قيس بن سعد نُكلمُه في أخيه، فأتياه فكلماه فقال قيس: أما شيء أمضاه سعد فلا أرده أبدًا ولكن أشهدكما أن نصيبي له".
وري عن عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج قال: "أخبرني عطاء أن سعد بن عبادة قسم ماله بين بنيه ثم تُوفِّي، وامرأته حبلى لم يعلم بحملها، فولدت غلاما، فأرسل أبو بكر وعمر في ذلك إلى قيس بن سعد بن عبادة قال: أما أمر قسمه سعد وأمضاه فلن أعود فيه، ولكن نصيبي له، قلت: أَعَلَى كتاب الله قسم؟ قال: لا نجدهم كانوا يقسمون إلا على كتاب الله".
وفي رواية أخرى لعبد الرزاق عن ابن جريج ، قال: أخبرني عمرو بن ذكوان أن ذكوان أبا صالح أخبره هذا الخبر ، خبر قيس :"أنه قسم ماله بين بنيه ثم انطلق إلى الشام فمات"
وجه الدلالة: أن سعد بن عبادة قسم ماله بين أولاده وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضوان الله عليهم ، ولم ينكر عليه أحد منهم فعله. وما كان انشغال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما إلا لأجل المولود الذي ولد بعد موت سعد ولم يترك له سعد شيئًا من تركته.
(ب) من المعقول
١- يجوز للإنسان أن يقسم ماله بين أولاده وباقي ورثته في حال حياته على فرائض الله تعالى؛ لأنها قسمة ليس فيها جور، فجازت في جميع ماله كبعضه.
ونوقش هذا الاستدلال: بأنه إذا قسم الرجل تركته حال حياته، فإن الورثة سوف يقتسمون التركة كلها فيما بينهم، وقد يتركون صاحب المال بلا رعاية ولا مأوى، وفي هذه الحالة يقع ما لا يحمد عقباه. وقد يولد لهذا الرجل بعد التقسيم ولد آخر، وفي هذه الحالة يكون قد ظلم هذا الولد في الوقت الذي يؤمر فيه بالتسوية بين أولاده.
(ج) من القياس:
تجوز هذه القسمة قياسا لحال الحياة على حال الموت ؛ لأنها قسمة على فرائض الله تعالى.
أدلة المذهب الثاني:
يمكن الاستدلال للشافعية على ما ذهبوا إليه من عدم جواز تقسيم المال بين الأولاد حال الحياة ، بما يلي :
١- أن تقسيم الرجل تركته قبل موته على أولاده وباقي ورثته غير جائز شرعا ؛ وذلك لأن موت المورث شرط أساسي من الشروط التي وضعها الإسلام للإرث ، وفي هذا يقول الشيخ محمد الشربيني الخطيب: "وأما شروط الإرث فهي أربعة أيضًا:
أولها: تحقق موت المورث أو إلحاقه بالموتى تقديرًا ، كجنين انفصل ميتا في حياة أمه أو بعد موتها بجناية على أمه... أو إلحاق المورث بالموتى حُكمًا كما في حكم القاضي بموت المفقود اجتهادا".
٢- إذا قسم الرجل تركته على أولاده وباقي ورثته حال حياته فقد يقع ما لا يحمد عقباه ، وهو أن يأخذ الورثة التركة كلها ثم يتركوا صاحب المال - الأب - بلا رعاية ولا مأوى ، وقد يولد للمورث بعد التقسيم ولد آخر ، وفي هذه الحالة يكون قد ظلم هذا الولد ، في الوقت الذي يؤمر فيه بالتسوية بين أولاده.
وقد أخذ القانون المصري بهذا الحكم ؛ حيث جاء في المادة الأولى من القانون رقم(٧٧) لسنة ١٩٤٣م بشأن المواريث : يستحق الإرث بموت المورث أو باعتباره ميتا بحكم القاضي".
بينما المذهب الثالث:
استدل الحنابلة في رواية على القول بكراهة تقسيم المال بين الأولاد حال الحياة ، بما يلي:
قال ابن قدامة: «قال أحمد: أحب ألا يقسم ماله ويدعه على فرائض الله تعالى ؛ لعله أن يولد له ، فإن أعطى ولده ماله ثم ولد له ولد فأعجب إلى أن يرجع فيسوي بينهم" أي يكره أن يقسم ماله بين أولاده وورثته خوفا من أن يولد له ولد بعد التقسيم ، فيحتاج أن يرجع في قسمته ، أو يرجع في بعض ما أعطى كل واحد من أولاده ؛ ليدفعوه إلى هذا الولد الحادث ، ليستوي مع إخوته ، هذا إذا ولد هذا الولد في حياة أبيه ، أما إذا ولد بعد وفاته لم يكن له الرجوع على إخوته ؛ لأن العطية لزمت بموت أبيه ، وفي هذا ظلم لهذا الولد.
وقد أمر النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم الوالدين بالعدل بين أولادهم بقوله: {اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم}.
وشدد على أن الرأي الراجح بعد عرض آراء الفقهاء وأدلتهم يتضح أن الرأي الأولى بالقبول والرجحان هو ما ذهب إليه أصحاب المذهب الثالث من القول بكراهة تقسيم المال على الأولاد حال الحياة، لما يلي:
١- خوفًا من أن يولد للأب ولد بعد وفاته، وفي هذه الحالة لا يحق له الرجوع على إخوته؛ لأن العطية لزمت بموت الأب، وليس كل الأولاد في أخلاق وإيثار قيس بن سعد بن عبادة حتى نقول: إن الأولاد الذين قسمت عليهم التركة سوف يقتطعون من أنصبتهم حق أخيهم المولود بعد موت أبيهم.
٢- خوفًا من أن يَتَنَكَّرَ الأولاد لأبيهم بعد أخذهم ماله حال حياته ويتركوه بلا رعاية ولا مأوى ، فيكون ذلك سببا في شقائه ومعاناته.
٣- خوفًا من أن يقصد الأب بتقسيم المال على أولاده حال حياته حرمان بعض الورثة من حقهم الشرعي في ماله بعد وفاته، وذلك متى كان أولاده كلهم من البنات وله أخوة ، فيتعمد تقسيم المال على بناته حال حياته بقصد حرمان إخوته من ارثه بعد وفاته.
٤- أن في القول بأفضلية عدم التقسيم حال الحياة ضمانة للأب في أن يحيا حياة كريمة مستمتعًا بماله دون مِنَّة أحدٍ من أولاده ، وخوفًا من إهمالهم له بعد استحواذهم على ماله حال حياته، خاصة بعد فساد الأخلاق في هذا الزمان ؛ لذا فإن الأفضل ألا يتعجل الأب قسمة ماله بين أولاده حال حياته، بل يترك ما يملك حتى يقسم بين أولاده بعد وفاته على فرائض الله تعالى.