ما حكم الذكر الجماعي ومدى مشروعيته .. هل هو بدعة؟ الإفتاء تجيب

الذكر الجماعي من السنن المشروعة في الإسلام، ويعد وسيلة للتقرب إلى الله تعالى، وزيادة الخشوع والخضوع بين المؤمنين. وقد وردت النصوص الشرعية الكثيرة التي تشير إلى مشروعية الاجتماع على ذكر الله، سواء في المسجد أو خارج نطاق الصلاة. كما أن هذا النوع من الذكر يحقق فوائد روحية واجتماعية عظيمة، ويقوي أواصر المحبة والتعاون بين المسلمين.
الأدلة من القرآن الكريم على مشروعية الذكر الجماعي
القرآن الكريم احتوى على العديد من الآيات التي تدعو المسلمين إلى ذكر الله بصيغة الجمع، مما يدل على مشروعية الذكر الجماعي. ومن أبرز هذه الآيات:
قوله تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ [البقرة: 152]،
وقوله تعالى: ﴿فَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ [الكهف: 28]،
وقوله: ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 35].
هذه الآيات وغيرها تشير بوضوح إلى أن ذكر الله جماعة مشروع ويقع ضمن طاعة الله التي أوجبها على عباده، وأن الاجتماع على ذكر الله أمر مُستحب ويؤدي إلى البركة والسكينة.
الأدلة من السنة النبوية على الذكر الجماعي
تواترت الأحاديث النبوية على فضل الذكر الجماعي، ومن أبرزها:
حديث أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما: «لا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللهَ عز وجل إلا حَفَّتْهُمُ الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده» (رواه مسلم والترمذي).
حديث معاوية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم عندما رأى أصحابه مجتمعين: «آللهِ ما أجلسكم إلا ذاك؟»، فأجابوا: «نَذْكُرُ الله ونحمده»، فقال النبي: «أتاني جبريل فأخبرني أن الله يباشي بكم الملائكة».
حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: «ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله لا يريدون بذلك إلا وجهه إلا ناداه منادٍ من السماء أن قوموا مغفورًا لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات» (رواه أحمد).
هذه الأحاديث تؤكد أن الاجتماع على ذكر الله مشروع، وأنه سبب لنزول الرحمة والسكينة، وشهادة الملائكة للمجتمعين بالخير.
هل الذكر الجماعي بدعة؟
من يدعي أن الذكر الجماعي بدعة يقع في خطأ، لأن هذه الشبهة نفسها تتنافى مع مشروعية ذكر الله بالجمع. فالذكر الجماعي ليس بدعة، بل هو من قبيل توسعة ما وسّع الله به رسوله، ومن البدعة تقييد ما وسّع الله.
كما أن اجتماع المسلمين على ذكر الله أرجى للقبول، وأيقظ للقلوب، وأجمع للهمة، وأدعى للتضرع والخضوع بين يدي الله. وقد جاء في الحديث الشريف: «يد الله مع الجماعة» (الترمذي)، مما يدل على فضل الاجتماع في الذكر وأثره الكبير في تقوية روح الجماعة.
الذكر الجماعي مشروع وثابت في القرآن والسنة، ويدل على مشروعية الاجتماع على ذكر الله. كما أنه وسيلة لنيل مغفرة الله ورضوانه، وللارتقاء بالروح المعنوية للمجتمع المسلم. والقول بأن الذكر الجماعي بدعة هو قول خاطئ، إذ إن الأمر بالذكر في القرآن والسنة جاء مطلقًا ويجوز أداؤه فردًا أو جماعة، ويحقق الجماعي منه أجرًا أعظم وبركة أوسع.