اجتماع سري يضم جنرالات الجيش الأمريكي.. ماذا يحضر ترامب وهيجسيث؟

بعد ما يقرب من ثماني عقود، دعت وزارة الدفاع الأمريكية، بشكل مفاجئ، كبار قادة الجيش الأمريكي من مختلف أنحاء العالم إلى اجتماع طارئ في قاعدة مشاة البحرية بكوانتيكو، في ولاية فرجينيا، اليوم الثلاثاء، حيث من المقرر أن يتحدث الرئيس دونالد ترامب ووزير الدفاع بيت هيجسيث أمامهم داخل الاجتماع السري.
ويعد الاجتماع الذي يضم مئات من الجنرالات والأدميرالات، حدثًا استثنائيًا نظرًا لحجمه وتوقيته فضلًا عن أنه أول اجتماع منذ الحرب العالمية الثانية التي انتهت عام 1945، خاصة أن العديد من القادة المدعوين متمركزون في مناطق صراع حول العالم، بما في ذلك الشرق الأوسط، مما عزز من حجم التكهنات حول طبيعة الاجتماع وأهدافه الحقيقية.
وعلى الرغم من أن الاجتماعات بين القادة العسكريين ونظرائهم المدنيين ليست أمرًا غير معتاد، فإن الغموض الذي رافق دعوة هذا الاجتماع، وسرعة إصدار الأوامر لعقده، أثارا تساؤلات كثيرة بين المحللين والخبراء العسكريين.

اجتماع مفاجئ في توقيت حساس
علق المستشار البارز في "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية"، الكولونيل المتقاعد مارك كانسيان، على الأمر قائلًا: "من المنطقي أن يستعرض الوزير رؤيته واستراتيجيته أمام القادة العسكريين، لكن اللافت هو التوقيت المفاجئ، وطبيعة الدعوة الشخصية، دون أي إعلان مسبق أو توضيح للجدول الزمني الكامل".
ويأتي هذا التحرك وسط ظروف داخلية معقدة، أبرزها اقتراب احتمال حدوث إغلاق حكومي، إلى جانب سلسلة من التغييرات الجذرية التي ينفذها هيغسيث في هيكلية وزارة الدفاع، ومنها إقالة عدد من كبار الضباط وتقليص عدد الجنرالات.
استنفار داخل المؤسسة العسكرية الأمريكية
بحسب ما نقلته صحيفة "واشنطن بوست"، فقد تلقى القادة العسكريون أوامر بإجراء تغييرات فورية في جدول مهامهم للحضور إلى الاجتماع، حتى لو كانوا متمركزين في مناطق زمنية بعيدة.
ويعد جمع هذا العدد الكبير من كبار الضباط في موقع واحد سابقة في تاريخ وزارة الدفاع الأمريكية، وهو ما أثار مخاوف أمنية حقيقية، حيث صرح مصدر أمني قائلًا: "لو كنت مكان الصين، كنت سأفكر بكيفية استغلال هذا الحدث.. وجود هذا الكم من القيادات العليا بعيدًا عن ساحات العمليات قد يخلق ثغرات في القيادة".
سياسات غير تقليدية وهيكلية مثيرة للجدل
ويعرف بيت هيجسيث، الإعلامي السابق في "فوكس نيوز" ووزير الدفاع الحالي، بنهجه غير التقليدي، ويدفع باتجاه إعادة تشكيل المؤسسة العسكرية وفق ما يسميه "عقيدة المحارب القتالي"، حيث من بين قراراته الأكثر إثارة للجدل:
- إلغاء برامج "التنوع والشمول" التي تهدف لدعم الأقليات في الجيش، واعتبرها "تمييزية".
- الإطاحة بعدد من كبار القادة العسكريين، مثل الأدميرال ليزا فرانشيتي، أول امرأة تقود البحرية الأمريكية، والجنرال جيف سليب، ثاني أعلى مسؤول في سلاح الجو، إضافة إلى رئيس وكالة استخبارات الدفاع، جيفري كروس، بسبب خلافه مع البيت الأبيض حول تقييم ضربة على المنشآت النووية الإيرانية.
وفي خطوة رمزية أخرى، وقع الرئيس ترامب هذا الشهر على أمر تنفيذي يقضي بإعادة تسمية "وزارة الدفاع" إلى "وزارة الحرب"، مؤكدًا أن الهدف هو "إعادة روح الانتصار والحسم للولايات المتحدة"، بحسب تعبير هيجسيث.

مفاجآت محتملة… وتحفظات داخلية
وفقًا لتقارير صحفية، من بينها تقرير لـ"ديلي ميل"، فإن الاجتماع قد يتناول مواضيع حساسة تتعلق بإعادة هيكلة القيادات العسكرية، واستراتيجية الأمن القومي للإدارة الحالية، وسط حديث عن "مفاجآت غير متوقعة" قد تُعلن خلال اللقاء.
فيما قال مصدر دفاعي أمريكي للصحيفة ذاتها: "السرية جزء من الخطة.. لم يُكشف الكثير حتى للمطلعين داخل الوزارة، واختيار الحضور تم بعناية شديدة".
ورغم محاولة البيت الأبيض التهوين من أهمية الحدث، بوصفه "جلسة تقييم استراتيجي لا أكثر"، فإن الغموض المحيط به يفتح الباب واسعًا أمام التأويلات.
الرئيس ترامب نفسه، عند سؤاله عن الاجتماع، قال: "سأذهب إذا أرادوا، لكن لماذا كل هذا الاهتمام؟"، فيما وصف نائبه جيه دي فانس الضجة الإعلامية بأنها "مبالغ فيها".
أسلوب "الملك"... وانتقادات من الداخل
أحد المصادر داخل وزارة الدفاع شبّه تحركات هيغسيث بـ"أسلوب الملوك"، مضيفًا: "ما يحدث الآن لا يرتبط بأي تهديد فوري، بل هو عرض للقوة واستعراض سياسي. الطريقة مبالغ فيها ومخالفة لأعراف المؤسسة العسكرية التي تقوم على تسلسل قيادي واضح ومنضبط".
وتابع المصدر: "المؤسسة العسكرية ليست مكانًا للتجارب السياسية أو الاستعراضات، وما يجري يعكس سوء فهم خطير لطبيعة عمل الجيش الأمريكي".
استعدادات أمنية مشددة وسط صمت رسمي
في المقابل، أكدت مصادر من هيئة الأركان العامة أن الإجراءات الأمنية تم تعزيزها لضمان عدم تأثر العمليات العسكرية الجارية عالميًا، مشيرة إلى أن الاجتماع مخطط بعناية وأن اختيار المشاركين تم بمنتهى الدقة.
ومع أن السرية المطلقة تحيط بتفاصيل جدول الأعمال، فإن حجم الحدث وطبيعته غير التقليدية يجعلان من هذا الاجتماع لحظة مفصلية في مستقبل السياسة الدفاعية الأمريكية.