هل يجوز الاغتسال بماء زمزم أم مخصص فقط للشرب ؟.. الإفتاء توضح

استعمال ماء زمزم في غير الشرب في شيء ليس فيه امتهان للماء عند استعماله كالوضوء والاغتسال جائزٌ شرعًا ولا حرج فيه، أما استعماله في شيء يُنبئ عن امتهان الماء عند الاستعمال كنحو إزالة النجاسة به -مثلًا- فيكون حينئذٍ مكروهًا ينبغي تركه، وذلك ما لم يتعين استعماله فيها، فإن تعين لعدم وجود غيره فلا حرج في استعماله حينئذٍ للحاجة التي تدفع الكراهة بها.
بيان فضل وبركة ماء زمزم
ماءُ زمزم ماءٌ مبارك، أكدت نصوص الشرع على خصوصيته وأفضليته، فعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال عن مياهها: «إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ، إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ» رواه مسلم.
قال القاضي عياض في "إكمال المُعْلم" : [ومعناه: يغنى شاربها عن الطعام، أي: أنها تصلح للأكل... ويكون طعم جمع طعوم، أي: أنها تشبع من كثر أكله، وقيل: يكون معناه: طعام مسمن، ومن أسمائها أيضًا: شفاء السقم، ومصونة، وبرة وطيبة، وشراب الأبرار] .
ومن بركته أنه ينفع الشارب في الأغراض التي يشربه من أجلها، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ فَإِنْ شَرِبْتَهُ تَسْتَشْفِي بِهِ شَفَاكَ اللَّهُ، وَإِنْ شَرِبْتَهُ مُسْتَعِيذًا عَاذَكَ اللَّهُ، وَإِنْ شَرِبْتَهُ لِيَقْطَعَ ظَمَأَكَ قَطَعَهُ» رواه الحاكم في "المستدرك"، ورواه ابن ماجه، وأحمد من رواية جابر رضي الله عنه بألفاظ متقاربة.
قال العلامة الصاوي في "حاشيته على الشرح الصغير" : [قوله: «ماء زمزم لما شرب له»: أي: فيحصل ما قصده بالنية الحسنة لنفسه أو لغيره] .
ولهذه الأفضلية نَصَّ العلماء على استحباب الإكثار من الشرب من ماء زمزم.
قال الإمام الخرشي المالكي في "شرح مختصر خليل للخرشي" : [(ص) وكثرة شرب ماء زمزم، ونقله (ش) أي: ومما يستحب لكل من بمكة أن يكثر من شرب ماء زمزم... ويكثر من الدعاء عند شربه، وليقل: اللهم إني أسألك علمًا نافعًا، وشفاءً من كل داء، وصحح «ماء زمزم لما شرب له»، ابن عيينة من المتقدمين، والحافظ الدمياطي من المتأخرين] .
حكم استعمال ماء زمزم في غير الشرب
أما عن استعماله في غير الشرب، فهذا الاستعمال لا يخلو من أمرين: إما أن يكون في شيء ليس فيه امتهان للماء عند استعماله كالوضوء والاغتسال، وإما أن يكون في شيء يُنبئ عن امتهان الماء عند الاستعمال كنحو إزالة النجس به مثلًا.
فإذا كان استعماله في شيء لا يوحي بامتهان الماء عند استعماله كالوضوء والاغتسال فإن جمهور الفقهاء على جواز استعماله بلا كراهة، ونص بعضهم على استحبابه في الوضوء والغسل كالمالكية.
قال الإمام الطحطاوي الحنفي في "حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح" : [فائدة: يجوز الوضوء والغسل بماء زمزم عندنا من غير كراهة بل ثوابه أكبر، وفصَّل صاحب "لباب المناسك" آخر الكتاب فقال: يجوز الاغتسال والتوضؤ بماء زمزم إن كان على طهارة للتبرك] اهـ.
وقال الإمام الخرشي المالكي في "شرح مختصر خليل للخرشي" : [ومما يستحب لكل من بمكة أن يكثر من شرب ماء زمزم ويتوضأ ويغتسل به ما أقام بمكة] اهـ.
وقال الإمام الروياني الشافعي في "بحر المذهب": [لا يكره الوضوء والغسل بماء زمزم] .
وقال الإمام البهوتي الحنبلي في "دقائق أولي النهى لشرح المنتهى": [ولا يكره الوضوء منه ولا الغسل على المذهب] .
وإذا كان استعماله في شيء يُنبئ عن امتهان الماء عند الاستعمال كنحو إزالة النجس به مثلًا، فإن هذا الاستعمال مكروه، تشريفًا للماء، كما نص على ذلك فقهاء المذاهب، وذكر بعضهم حرمته.
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب في شرح روض الطالب": [(و) لا (ماء زمزم)؛ لعدم ثبوت نهي فيه، نعم تكره إزالة النجاسة به كما قاله الماوردي، وصرح به الروياني، وغيره بالنسبة للاستنجاء] .
وقال الإمام البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع": [(و) كذا يكره (استعمال ماء زمزم في إزالة النجس فقط) تشريفًا له] .
وعلى ذلك فينبغي عدم استعمال ماء زمزم في إزالة النجاسة؛ وذلك حيث وجد غيره، فإن لم يوجد غيره وتعين ماء زمزم في إزالة النجاسة فلا بأس باستعماله حينئذٍ؛ إذ الكراهة محلها عدم الحاجة، فإن وجدت الحاجة إلى ذلك اندفع حكم الكراهة، كما هو مقرر عند الفقهاء، قال العلامةُ السَّفَّارِيني في "غذاء الألباب" : [الكراهة تزول بأدنى حاجة] .