Artemis II.. أول رحلة مأهولة خارج مدار الأرض منذ أكثر من 50 عامًا

تواصل وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" استعداداتها لإطلاق أول مهمة مأهولة تتجاوز مدار الأرض المنخفض منذ أكثر من خمسة عقود، حيث أعلنت خلال مؤتمر صحفي عقد في مركز جونسون الفضائي أن نافذة الإطلاق لمهمة "Artemis II" ستُفتح في الخامس من فبراير 2026، في خطوة تاريخية تهدف إلى إرسال أربعة رواد فضاء في رحلة حول القمر والعودة إلى الأرض.
جاهزية المعدات الفضائية
أكدت ناسا أن صاروخ الإطلاق "SLS" قد تم تجهيزه بالكامل، بينما دخلت مركبة "أوريون" مراحلها النهائية من التحضير، على أن تُركّب أعلى الصاروخ لاحقًا هذا العام. ومن المقرر أن يتم نقل المنظومة الكاملة إلى منصة الإطلاق بمركز كينيدي الفضائي مطلع العام المقبل، حيث ستخضع لاختبار "التجربة الرطبة" الذي يشمل تعبئة خزانات الوقود بالهيدروجين والأكسجين السائلين، وصولًا إلى العد التنازلي حتى 29 ثانية قبل الإطلاق التجريبي.

مسار الرحلة حول القمر
بعد الإطلاق، ستنفصل مركبة "أوريون" عن المرحلة العليا من الصاروخ بعد ثلاث ساعات تقريبًا، وتدور حول الأرض لمدة 24 ساعة لإجراء اختبارات على أنظمة الدعم والتوجيه. إذا سارت الأمور كما هو مخطط، ستنفذ المركبة مناورة دفع رئيسية لوضعها في مسار حر حول القمر، يضمن عودتها إلى الأرض حتى في حال حدوث خلل في نظام الدفع، حيث ستتجاوز القمر بمسافة تتراوح بين 5,000 و9,000 ميل قبل العودة.
اختبار درع الحرارة أثناء العودة
من أبرز أهداف المهمة اختبار درع الحرارة الخاص بالمركبة خلال عملية العودة الحارقة إلى الغلاف الجوي. ورغم نجاح الدرع في مهمة "Artemis I" عام 2022، إلا أن أجزاء منه تعرضت للتفكك بشكل غير متوقع. وبعد تحقيقات استمرت عامين، توصل مهندسو ناسا إلى تعديل مسار العودة لتقليل الضغط الناتج عن الغازات المنبعثة، مما يعزز سلامة الدرع في المهمة المقبلة.
وتُعد "Artemis II" خطوة تمهيدية نحو مهمة "Artemis III" التي تهدف إلى إنزال رواد فضاء على سطح القمر بالقرب من القطب الجنوبي، في إطار سباق فضائي جديد مع الصين لاستكشاف موارد مثل الجليد المائي، وأكدت ناسا أن هدفها هو العودة إلى القمر بأمان، دون التسرع أو المجازفة.
وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" (NASA) تُعد من أبرز المؤسسات العلمية والتكنولوجية في العالم، وقد تأسست عام 1958 بهدف قيادة جهود الولايات المتحدة في استكشاف الفضاء. منذ ذلك الحين، لعبت ناسا دورًا محوريًا في فهم الكون، وتوسيع حدود المعرفة البشرية، وتعزيز التقنيات التي تخدم الحياة على الأرض.
من أبرز إنجازات ناسا برنامج "أبولو"، الذي تُوّج بهبوط أول إنسان على سطح القمر عام 1969، وهو حدث غيّر نظرة البشرية إلى موقعها في الكون، وأعاد تعريف العلاقة بين الإنسان والأرض.
كما أطلقت الوكالة العديد من المركبات الفضائية والتلسكوبات مثل "هابل" و"جيمس ويب"، التي ساهمت في كشف أسرار المجرات والنجوم، وفي الوقت نفسه، ساعدت في دراسة كوكبنا الأرض من منظور علمي دقيق.
تُولي ناسا اهتمامًا كبيرًا بمراقبة المناخ والبيئة، حيث تستخدم أقمارًا صناعية متطورة لرصد التغيرات المناخية، وقياس درجات الحرارة، ومتابعة الكوارث الطبيعية، مما يساهم في حماية سكان الأرض من المخاطر البيئية.
كما تطور تقنيات تساعد في تحسين الزراعة، وإدارة الموارد، ومواجهة تحديات مثل التصحر وارتفاع مستوى البحار.
في السنوات الأخيرة، توسعت ناسا في برامج استكشاف الكواكب الأخرى، مثل المريخ، بهدف فهم إمكانية الحياة خارج الأرض، ودراسة الظروف التي قد تسمح بإنشاء مستوطنات بشرية مستقبلية. ومع ذلك، يبقى الهدف الأسمى هو خدمة الإنسان على كوكب الأرض، من خلال تطوير المعرفة، وتحفيز الابتكار، وتعزيز التعاون الدولي في مجال العلوم الفضائية.
تُجسد ناسا طموح البشرية في التقدم، وتُثبت أن استكشاف الفضاء ليس مجرد مغامرة علمية، بل وسيلة لفهم أنفسنا، وتحسين حياتنا على هذا الكوكب الذي نُسميه وطنًا.