حلفت بالله وأنا كاذب.. فهل تجب على اليمين الغموس كفارة؟

اليمين الغموس محرَّمة شرعًا، وتُعَد من الكبائر بإجماع الفقهاء. والأحوط للمسلم أن يعمل بقول من أوجب فيها الكفارة خروجًا من الخلاف، واقتداءً بقاعدة أن الصدقة تمحو الذنوب كما يطفئ الماء النار. وتكون الكفارة بإطعام عشرة مساكين، لكل مسكين ما يسد حاجته. أما التوبة فهي مقبولة يقينًا لمن رجع إلى الله تعالى صادقًا مخلصًا في طلب مغفرته؛ قال سبحانه: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [الشورى: 25].
تعريف اليمين الغموس وسبب تسميتها
الحلف أو القسم هو توكيد أمرٍ بذكر اسم الله تعالى أو صفة من صفاته، كما أوضح النووي في روضة الطالبين. فإذا كان الحلف على أمرٍ ماضٍ أو حاضرٍ مع تعمّد الكذب فيه، سُمّي ذلك “يمينًا غموسًا”. وسميت بهذا الاسم لأنها “تَغْمُس” صاحبها في الإثم والنار، كما ذكر الجصاص في شرح مختصر الطحاوي. وقال الحموي في المصباح المنير: إنها سُمّيت غموسًا لأنها تُدخل الحالف في الذنب لكذبه عن علم. وبيّن ابن بطال في شرح صحيح البخاري أنها أن يحلف المرء كاذبًا ليُرضي أحدًا أو ليقتطع بها حقًّا من مالٍ.
حكم الحلف بالله كذبًا
اتفق الفقهاء من المذاهب الأربعة على أن اليمين الغموس محرّمة وهي من الكبائر؛ واستدلوا بحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس» (رواه البخاري). وقد عدّ ابن الجوزي ما ورد في الحديث أصول الكبائر التي تتفرع عنها غيرها.
مذهب الجمهور في الكفارة
ذهب جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أن اليمين الغموس لا كفارة فيها؛ لأنها ذنب عظيم لا تُجبره كفارة. فقد قال ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما: “كنا نعد اليمين الغموس من الكبائر التي لا كفارة فيها”، واعتُبر ذلك إشارة إلى إجماع الصحابة. وعلّل الفقهاء ذلك بأنها يمين على أمرٍ ماضٍ لا يمكن تغييره، فلا يصدق عليها وصف “المنعقدة” التي جاء فيها النص القرآني بالكفارة. وأوضح ابن قدامة في المغني أن هذه المعصية أعظم من أن تُكفَّر، وأن الكفارة إنما شُرعت في الأيمان المتعلقة بالمستقبل لا الماضي.
مذهب الشافعية والظاهرية
خالف الشافعية والظاهرية هذا الرأي، فقالوا بوجوب الكفارة في اليمين الغموس، وهو قول الأوزاعي والحسن بن حي أيضًا. قال النووي في روضة الطالبين: “اليمين الغموس من الكبائر، وتلزم الكفارة بها”. وكذلك قرر ابن حزم في المحلى أن الكفارة واجبة على من تعمد الكذب في يمينه. واستدلوا بعموم قوله تعالى: ﴿فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ…﴾ [المائدة: 89]، حيث جعلت الآية الكفارة لازمة لكل يمين، ولم يرد نص صريح يُخرج اليمين الغموس من هذا العموم.