مع دخول المدارس.. ما حكم ضرب المدرسين للطلاب والطالبات؟

أكدت دار الإفتاء أن الإسلام دين الرحمة، وقد امتنَّ الله تعالى على العالمين برسوله المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، فوصفه بقوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]. ومن أحق الناس بهذه الرحمة الأطفالُ لصِغَر سنِّهم وضعفهم واحتياجهم المستمر إلى الرعاية والعناية، حتى إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عدَّ عدم الرحمة بالصغير من الكبائر، فقال: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ شَرَفَ كَبِيرِنَا» رواه الترمذي. ولم يثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه ضرب طفلًا قط، مما يوجب على المربين والمعلمين أن يتأسَّوا بسنته في ذلك.
والطفل قبل سن البلوغ غير مكلَّف شرعًا، فينبغي أن يكون التعامل معه من باب التربية والتأديب لا من باب العقوبة؛ لأن العقوبة لا تكون إلا على ارتكاب محرم أو ترك واجب. أما طلاب المرحلة الثانوية فقد بلغوا سن التكليف، ومع ذلك فإن ضرب البالغ لا يكون إلا في إطار الحدود أو التعزير، وهذا مما يختص بسلطة ولي الأمر ولا يُنفَّذ إلا بإذنه. فإذا ارتأى ولي الأمر منع الضرب في المدارس بجميع مراحلها، بل ومعاقبة من يمارسه، فذلك جائز شرعًا وواجب الالتزام به.
دعوة الإسلام إلى الرحمة والرفق في معاملة الأطفال
الإسلام دين الرحمة، وقد وصف الله تعالى نبيّه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بأنه رحمةً للعالمين بقوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]. وبيّن الشرع حرصه على رعاية الضعفاء، فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «اللَّهُمَّ إنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَينِ: اليَتِيم، وَالمَرْأة» (رواه النسائي وابن ماجه بإسناد حسن كما في كلام النووي). والأطفال من أولى الناس بالرحمة لضعفهم وحاجتهم المستمرة لمن يتولّى رعايتهم، حتى اعتبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم قلة الرحمة بالصغير من الكبائر، حين قال: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ شَرَفَ كَبِيرِنَا» (رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي). كما حضّ الشرع على الرفق عمومًا، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ» (رواه مسلم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها)، ويزداد الاحتياج إلى الرفق عند تربية الأولاد وتدريسهم.
الضرب في سياق التعليم والتربية
الإسلام دين العلم، ويدعو إلى اتباع الأساليب العلمية المتوافقة مع خبرات المتخصصين. وقد أجمع كثير من علماء التربية والنفس على أن الضرب ليس أفضل الوسائل التربوية، إذ قد يولّد سلوكًا عدوانيًّا لدى الطفل تجاه من عاقبه، وتُفقد العملية التعليمية جوّ التفاهم والحوار الذي ينبغي أن يحكمها. لذلك على المربين والمعلمين أن يعتمدوا طرقًا تربوية سليمة تُعزّز نقل المعرفة والممارسات التعليمية في مناخ من المودة والاحترام، لا من مناخ الخوف والمهانة. ولذا لا يجوز اللجوء إلى الضرب إذا كانت هناك بدائل تربوية فاعلة تستخدم الترغيب والترهيب العقلانيين دون إلحاق أذى أو إذلال.
وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدوةً في التربية؛ فلم يَرُوَ عنه أنه ضرب طفلًا، وهو القدوة التي يجب أن يحتذى بها المعلمون، كما قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ…﴾ [الأحزاب: 21]. وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: «مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ…» (رواه مسلم).
التعامل مع الطفل قبل البلوغ
الطفل قبل البلوغ غير مكلَّف شرعًا، فلا أقامة عليه حدود ولا تعزيرات، وإنما يُعالَج تربيةً وتأديبًا ليألف الواجبات ويجتنب المحرّمات عند البلوغ. وبناءً عليه فالتأديب في هذه المرحلة يُقصد به الترويض والتعويد لا توقيع عقوبة شرعية، لأن العقاب الشرعي يُحمّل للمكلَّف وحده.
حكم ضرب الصبي
الأصل في الشريعة تحريم الإيذاء بمختلف صوره؛ قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ…﴾ [الأحزاب: 58]، وكما ورد في السنّة أن ظهر المؤمن محرم الإيذاء إلا بحق. وفسّر الفقهاء ذلك بأن الضرب لا يَجوز إلا في حدود أو للتعزير المشروع، وأنه يتعيّن اجتناب الإيذاء والمهانة. وذهب بعض الفقهاء إلى تحريم ضرب الصبي بالسوط والعصا، والقول بجواز استعمال اليد في إظهار اللوم فقط، مع مراعاة تجنّب ضرب الأماكن الحسّاسة والمحافظة على كرامة المتأدَّب، وعدم أن يكون الضرب مبرِّحًا أو مُدميًا. كما وردت أحاديث تُحذّر من الزيادة في الضرب، وفيها إشارة إلى تحذير من التجاوز والتعذيب أكثر من كونها تشريعًا للجلد.
ويُفهم من سياق بعض الأحاديث، مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ» (رواه أحمد)، أن المراد هو تأديب وترويض بسلوكٍ لا يهدف إلى الإيذاء، بل إظهار العتاب واللوم لإرساء عادة فضلى، لا إضفاء طابع العقوبة البدنية المعنوية أو الجسدية القاسية.
وعلى هذا النحو، حتى إذا أُجيز الضرب في بعض الأزمنة والبيئات بشرط أن يكون خفيفًا ومدارًا على التأديب، فلا يعني ذلك صلاحيته المطلقة لكل زمان ومكان. والحقيقة أن في العصر الحاضر تكررت ممارسات الضرب المؤذية وما رتّبته من نتائج من إصابات نفسية وجسدية واجتماعية، لذلك يُستحسن المنع العملي لحماية التلاميذ وقطعًا للذريعة التي قد تستغلها القلة للإساءة.
استخدام الضرب الخفيف كوسيلة تربوية
هناك بعض المتخصِّصين الذين يرون أن ضربًا خفيفًا وبغير أذى قد ينجح تربويًا عند مراعاة سن الطفل وحالته النفسية واستبعاد من لا يناسبهم هذا الأسلوب، لكن هذا الرأي يصعب ضبطه وقياسه عمليا، وقد يتحوّل لدى بعض المعلمين ذريعة للانزلاق إلى ضرب مبرح أو التنفيس عن الغضب، مع ما يترتب على ذلك من أضرار خطيرة قد تبلغ حد الإصابة أو الوفاة أو نشر أجواء عدوانية بين المدرسة والأسرة. لذلك، وفيما يخص تلاميذ المراحل الابتدائية وما قبل البلوغ وغالبيّة الإعداديين وبعض الثانويين، نرى منع الضرب احترازًا وقطعًا للذريعة.
أما طلاب المرحلة الثانوية فهم في الغالب مكلَّفون شرعًا، وفي حقّهم لا يجوز الضرب إلا في حدود الشرع أو تعزيرًا بناءً على سلطة ولي الأمر ومواقع التعزير المعروفة في الفقه، ولا يكون ذلك إلا بإذن ولي الأمر