ما حكم سجود التلاوة في أوقات النهي عن الصلاة؟.. الإفتاء توضح

هل يجوز سجود التلاوة في أوقات النهي عن الصلاة؟ سؤال أجابت عنه دار الإفتاء أن أداء سجود التلاوة يجوز في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها، ولا يترتب على ذلك كراهة.
المراد بسجود التلاوة في الشرع
سجود التلاوة هو السجود الذي يكون سببه تلاوة آية من آيات السجود الواردة في القرآن الكريم، وهو عبادة مشروعة باتفاق الفقهاء. ينظر: المبسوط للسرخسي، حاشية الدسوقي، المجموع للنووي، الإقناع في فقه الإمام أحمد للحجاوي المقدسي .
وأصل مشروعيته قول الله تعالى:
﴿قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا﴾ [الإسراء: 107-109].
وقال الزمخشري في الكشاف: [أي إذا سمعوا القرآن سجدوا لله تعظيمًا لأمره، وحمدوه على إنجاز وعده ببعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وإنزال القرآن عليه، وهو معنى قوله: ﴿إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا﴾، وزادهم القرآن رقة في قلوبهم وخشوعًا في نفوسهم] .
وروى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: “كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ علينا السورة، فيها السجدة، فيسجد ونسجد معه، حتى لا يجد أحدنا مكانًا لجبهته”.
قال الصنعاني في سبل السلام: [هذا الحديث دليل صريح على مشروعية سجود التلاوة، وقد انعقد إجماع العلماء على ذلك]
المراد بالأوقات المنهي عن الصلاة فيها
الأوقات المنهي عن الصلاة فيها هي الفترات التي يمنع أداء الصلاة فيها، واختلف الفقهاء هل المنع للتحريم أم للكراهة. ينظر: الاختيار للموصلي، مواهب الجليل للحطاب، روضة الطالبين للنووي، كشاف القناع للبهوتي.
آراء الفقهاء في سجود التلاوة في أوقات النهي
اختلف العلماء في حكم سجود التلاوة إذا وقع في وقت النهي:
• الشافعية والحنابلة في رواية: قالوا بجوازه بلا كراهة سواء كان سببه سابقًا أو مقارنًا لوقت النهي.
• الحنفية: أجازوا أداءه إن تلا القارئ آية السجدة في وقت النهي، لكن إن كانت التلاوة قبل وقت الكراهة فلا يسجد فيه، بل يؤخرها إلى وقت الجواز.
• المالكية: أجازوه بعد الفجر ما لم يسفر الضوء، وبعد العصر ما لم تصفر الشمس، مع كراهته في بعض الحالات مثل أثناء خطبة الجمعة.
قال الزيلعي الحنفي في تبيين الحقائق : [سجود التلاوة إن وُجِب قبل أوقات الكراهة لا يُؤدَّى فيها لأنه عبادة كاملة فلا تُؤدَّى في وقت ناقص، أما إن تلا آية السجدة فيها فله أن يسجد بلا كراهة، والأفضل أن يؤخرها]
وقال النفراوي المالكي في الفواكه الدواني: [يجوز للقارئ أن يسجد سجدة التلاوة بعد الصبح ما لم تطلع الشمس، وبعد العصر ما لم تميل للغروب] اهـ.
وقال النووي في المجموع: [مذهبنا أنه لا يُكره سجود التلاوة في أوقات النهي، وبه قال جمع من التابعين كعطاء والشعبي والحسن] .
وقال ابن قدامة في المغني: [رواية عن الإمام أحمد تجيز سجود التلاوة في أوقات النهي، وهو قول الشافعي، وروي ذلك عن السلف] .
لكن عند الحنفية يُكره أداؤه إذا كانت التلاوة قبل وقت الكراهة، وعند الحنابلة في المذهب لا ينعقد أصلًا إن وقع في أوقات النهي، والمالكية منعوه عند طلوع الشمس وغروبها وخطبة الجمعة.
أدلة القائلين بالكراهة
استدلوا بعموم حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس» (رواه البخاري).
الجواب عن هذا الاستدلال
قال النووي في شرح مسلم: [النهي إنما هو عن الصلاة التي لا سبب لها، أما ما كان له سبب كسجود التلاوة فلا يدخل فيه، بدليل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى بعد العصر ركعتين قضاءً لسنة الظهر، وأمر من دخل المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب أن يصلي تحية المسجد] .
وقال ابن القيم في إعلام الموقعين : [النهي عن الصلاة في أوقات النهي عام دخله التخصيص بالإجماع في بعض الصور، وبالنص في صور أخرى، وبالسنة في ذوات الأسباب، ومنها سجود التلاوة] اهـ.